علينا بالثورة للنساء!

المرأة هي الأساس

لا يولد الطفل وهو ملم بأي شيء، فصوت الأم هو ثقافتنا الأولى. نولد أجسادًا بعقول فارغة وتملأ نساء العالم عقولنا بثقافة الماضي والحاضر والمستقبل. فتغني لنا الأشعار، وتروي لنا أساطير الأجداد، وتملي علينا ما تعلمته من دروس الحياة، وتزرع فينا بذور الأخلاق، فنكبر نحن لنتخذ القرار بأن نكون كتبًا أم مجرد صفحات.

إن المرأة هي التي تُنجب وتُربي وتُعلّم، ولكن إن هي قُمعت وحرمت من حقها في التعلم واكتشاف الحياة كيف لها أن تعطي للأطفال ما نتمنى أن يتعلموه كي يكبروا ويكملوا البناء! كيف لها أن تجعل من الأطفال نساءً ورجالًا على قدرٍ من المسؤولية إن لم تُعطَ هي المجال للعيش خارج نطاق ظل أبيها وبعيدًا عن أعين إخوتها وهمس الجيران!

يقولون المرأة نصف المجتمع ولكنها في الحقيقة ثلاثة أرباعه وأكثر، فلولاها لما كان هناك مجتمع من الأساس، ولولاها لما حَظي مجتمعنا الذكوري بذكوره الجاحدين منهم لفضل النساء عليهم، وذكوره المستحقين لكلمة رجال ممن يُقدّرون نساءهم ولا يتجهون للعب دور "سي السيد" الحامي لعرض عائلته بحرمان أمه وأخته وزوجته من حقهن بالعيش الكريم والتعليم وحرية التعبير والاختيار وغير ذلك الكثير.

المرأة في مجتمعنا

على مر العصور، لعبت المرأة دورًا أساسيًا في المجتمع، فلم تكن الأم فقط كما اعتاد الكثيرون على قولبة كيانها، إنما خاضت غمار كافة الميادين العلمية والعملية كمعلمة وممرضة وباحثة وكاتبة وطبيبة ومهندسة وغيره. ورغم هذا، فإن نظرة المجتمع لها لم تتغير، فهي المرأة المثالية إن رضيت بالعبودية والتهميش، وهي العاصية إن قررت أن تنتصر لنفسها بالتحرر من قيود اللا والممنوع والعيب والحلال والحرام. ورغم وجود العديد من النساء الملهمات ممن استطعن كسر القيود المجتمعية وتحقيق إنجازات مهولة إلا أنه هناك من لا يزلن عالقات في قيعان المدن وخلف الأسوار، تنقصهن القوة للمحاربة أو لم يتجرأن على المحاولة. وهنا يأتي دورنا نحن، فما فائدة أصواتنا إن لم تعلُ لأجلهن، وما فائدة كلماتنا إن لم تروِ حكاياهن وتنادي بحقوقهن!

كثيراتٌ هنّ من عُنفن وقتلن بلا سبب من قبل أقاربهن بحجة الشرف، وعدم الطاعة، والخيانة، ولحظات الغضب والجنون. وحتى يومنا هذا ما زلنا نسمع عن جرائم وانتهاكات لا إنسانية بحق المرأة، فهناك من اقتُلعت عيناها، ومن اغتُصبت، ومن حُرقت، ومن هي مُحتجزة بالمنزل، ومن أجبِرت على الزواج، ومن حُرمت من أطفالها، ومن اعتُديَ عليها بالطرقات. فأين هي العدالة! وأين هو القانون من هذا كله؟! أيجب أن تَتعذب المرأة أو تَتشوه أو تُقتل كي تستحق مُساندة القانون وعطف المجتمع!

المرأة في الإسلام

يتوجَه أغلبُ المعادين للمرأةِ والرافضين لحقوقِها في مجتمعِنا من المسلمين تحديدًا إلى الاستشهادِ بالآياتِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبوية، والتي غالبًا ما تكون مَغلوطة التفسير أو ليس لها أصل من الصحة. واستشهادهم بمثل هذه الآيات والأحاديث ما هي إلا محاولة منهم لإضفاء الشرعية على نظرتهم الدونية للمرأة وفعالهم الرجعية في حقّها. ومن أشهر العبارات التي لطالما سمعناها وما زلنا نسمعها منهم هي: النساء ناقصات عقل ودين، وصوت المرأة عورة، وما أفلح قوم ولّوا أمرهم لامرأة، ولو أمرت أحدًا أن يسجدَ لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، وأنهن خلقن من ضلعٍ أعوج، وغير ذلك. ولكن عند النظر بصحة الأحاديث التي وردت بها هذه العبارات وتفسير صحيحها لوجدنا بأنها لا تنقص من المرأة أو حقوقها مطلقًا. فكيف من الممكن أن تكون المرأة مستنقصة ومهضومة الحق في الإسلام والله تعالى هو الذي يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، ويقول رسوله -صلى الله عليه وسلم- : (إنما النساء شقائق الرجال)، والكثير غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث التي تكرّم المرأة وتؤكد على أن النساء نظائر الرجال أي أمثالهم، فلا ينقصن عنهم شيئًا ولا هم يزيدون عنهن بشيء.

حق المرأة علينا

ولهذا كمسلمين وأفراد في هذا المجتمع علينا بأن نعمل جاهدين لإصلاحه والنهوض به. ولن يصلح هذا المجتمع ولن ينهض ما دام أساس وجوده ألا وهو المرأة مهمشًا ومضطهدًا. علينا بالثورة للنساء، والثورة للمستقبل الذي تحمله أرحامُهن. فرغم التحرر الذي يحاول مجتمعنا أن يبديه، إلا أنه ما زال خاضعًا للسلطة الذكورية القابعة أسفل التعهدات والوثائق الورقية. فمعظم الحقوق مكتوبة ولا يؤخذ بها والقوانين كذلك. وبهذا فإن دورنا وواجبنا كأفراد أنجبتنا نساء العالم هو أن نكون لهن خير السند والوكيل، بأن نعطي صوتًا لمن أسكتت منهن، وأن نحارب سلطة جميع الرجال والنساء ممن ينظرون للإناث على أنهن ملكية تعود للذكور، متذرعين بالعادات والتقاليد وتعاليم الدين المغلوطة التي تدعم فوقيتهم وتعزز من نظرتهم الدونية إلى النساء. فلنكن خير الرجال والنساء لبعضنا البعض كي نبني مجتمعًا متوازنًا، عماده الحرية ودستوره المساواة.