تحت شجرة الصفصاف

حكاية.. وتنهيدة

كانت تلك الشجرة بظلالها مكانًا دفنّ فيه أسرارهن وكل ما يكدر خاطرهن. كم تألمن من قرارات مجحفة وكم تضررن من أزواج مهملين وضجرن من روتين ممل، ولكن الأفواه لم تفتح إلا تحت ظلالها وبالتوقيت المتفق عليه.

كانت تسمع كافة حكاياتهن. كم فضفضن، بكين وفرحن تحتها، تتعالى الأصوات كلما اشتد النقاش وتنخفض كلما كان الحديث عن ظروف عملهن المزرية، ثلاث أمهات يافعات موعدهن اليومي تحت أغصان من عمّرت في المكان بعمر أحاديثهن أو أكثر.

اجتماعات طارئة

عندما يرن هاتف إحداهن في قاعة التحرير، هو تنبيه للموعد المتفق بينهن للقاء تحت شجرة الصفصاف. الأمر طارئ والموضوع لا يحتمل التأجيل.

اجتمعن ثلاث، فاتنة هادئة قصيرة لكن كلامها حكم، ومرتبكة متوسطة الطول، أما الطويلة فكل ما يقال عنها إنها مرحة وسريعة البكاء. كل الاجتماعات الطارئة تعقد بحضورهن الثلاث، فكم تناقشن في موضوع الحمل غير المتوقع وكم بكين قهرًا من تسلط مدير متعجرف أو من غربة إحداهن التي لم تتحمل بعدها عن أهلها. أما الأخرى، فمشاكلها مع زوجها لم يجدن لها خارطة طريق سوى الصبر.

موعد الفراق

كانت أكثر من سبع سنوات كاملة يجتمعن فيها صباحًا أو مساءً في نفس المكان. تقاسمن خلال هاته الفترة أحلامًا، أماني، وكل غصة قلب عشنها داخل الوكالة، لكن حان وقت الفراق وقُدّر عليهن ذلك. أولاهن لم تتحمل البعد عن أهلها لتقرر الرجوع إلى مسقط رأسها، أما الثانية فلم تستطع تحمل المزيد من القهر والمحسوبية التي نخرت أعرق مؤسسة إعلامية يعملن بها، لتقرر الهجرة وترك الوطن. أما الثالثة، فقد قررت البقاء، لتستعيد معهن ذكريات شجرة الصفصاف كل ما اجتمعن افتراضيًّا. صحيح أنهن افترقن لكن أنفاسهن لم تفارق المكان.

في النهاية

قد تجمعنا أماكن كثيرة في هذه الحياة منها من نستقر بها ومنها من نسكنها برهة لنرحل، ففي كلتا الحالتين، هناك ذكريات نحملها دائمًا على كل مكان نمر به في هذه الدنيا.

صحيح أن الأشخاص يتغيرون والزمان يتغير، لكن الأماكن لا تتغير، فذكرياتنا ما تزال محفوظة في أماكن هجرناها لكنها لم تهجرنا يومًا.