الرقصة الأخيرة لزوربا

سمعتُ كثيرًا عن رواية زوربا للروائي اليوناني نيكوس كازانتزكيس، وهذا ما شجعني لقراءتها، فابتعتُ نسخة منها بعدد صفحات تصل إلى 390 صفحة، صادرة عن دار الآداب، بترجمة جورج طرابيشي، وكنتُ قد اطلعتُ على مجموعة من الآراء المتفاوتة حولها، وغالبيتها أشادت بطريقة السرد، والمحتوى، والأفكار الفلسفية التي أراد مؤلف الرواية إيصالها إلى القُرّاء من خلال شخصية زوربا، هذه الشخصية الخيالية الواقعية التي تشكّل المحور الأساس في الرواية، وبعد انتهائي من قراءتها توصلتُ لبناءِ تصوّري الخاص عنها؛ حيث إنني سوف أتحدث بنبذةٍ مختصرةٍ عن الأحداث والأفكار الرئيسة في الرواية، ولن أتناول بعضًا من الأحداث لأترك اكتشافها لدى كل من يريد قراءة حياة زوربا.

صدرت الطبعة الأولى من رواية زوربا في عام 1946، ولاقت رواجًا كبيرًا بين القرّاء، وكنتُ قد قرأتُ في أحد المراجعات المتعلقة بالرواية، أن شخصية زوربا حقيقية تمامًا، وهي تجسيد لرجلٍ قابله الروائي في إحدى رحلاته، وتعايش معه لدرجة إدراك أدق تفاصيل شخصيته؛ وبسبب إعجابه بطبيعة حياته، قرر أن يؤلّف رواية تتحدث عنه، وعن خلاصة تجربته في الحياة، وذلك من خلال رحلة يرافقه فيها بطل الرواية الثّاني المُلقب بالرئيس، وهو رجل أعمال يريد استثمار أمواله في منجمٍ للفحم كان قد ورثه، ومن هنا يظهر الرابط بين الشخصيتين، فالرئيس يمتلك المال ولكن لا يمتلك الخبرة الكافية لإدارة مشروع المنجم، أمّا زوربا رجل فقير، ولكنه خبير وذكي وقادر على تحقيق الهدف المشترك بينهما.

نبذة مختصرة عن رواية زوربا

يكون اللقاء الأوّل بين زوربا والرئيس بالصدفة في الميناء، فيستمع الرئيس إلى فلسفة زوربا في الحياة، والتي تجعله يكسب احترامه؛ خصوصًا أنهما مختلفان عن بعضهما، فالرئيس رجل أعمال مثقف وقرأ الكثير من الكُتب، ويمتلك معرفة واسعة، أمّا زوربا رجل أُمّي لم يتعلّم بأي مدرسة، واكتسب ثقافته وعلومه وخبرته من خلال تجاربه المختلفة، كما اتخذ لنفسه هواية بعزف آلة موسيقية تسمى السانتوري، والرقص للتعبير عن نفسه، وأرى أن جميع هذه الأشياء التي شكّلت شخصية زوربا هي التي لفتت نظر الرئيس نحوه، وشجّعته حتّى يدعوه للعمل معه في افتتاح منجم الفحم.

يبدأ زوربا خطوته الأولى في إعادة تهيئة وتأهيل منجم الفحم ليصبح صالحًا للعمل مجددًا؛ من خلال تدعيم بنائه باستخدام جذوع الأشجار؛ ونتيجة لنجاحه في ذلك يعود إلى الرئيس، ويرقص فرحًا، فتظهر رقصة زوربا المرتبطة ارتباطًا وثيقًا في فلسفة الرواية، ويدرك الرئيس أن تعبير زوربا عن النجاح في كل خطوة يخطوها تكون بالرقص، والدلالة الفلسفية لذلك استخدمت للحديث عن الفرح والسعادة والطاقة الإيجابية التي يمتلكها الإنسان، وتساعده على تحقيق أهدافه.

ينتقل زوربا لخطوة جديدة في مشروعه مع الرئيس؛ حيث يذهب لشراء التجهيزات الخاصة باستكمال العمل في منجم الفحم، ويحصل على مال من الرئيس لإتمام ذلك، ولكن ينفق كامل المال على امرأة تعرف عليها داخل أحد الملاهي، ويعود إلى الرئيس دون شراء أي شيء لبدء العمل في المنجم، فيغضب الرئيس ويخبر سيدة يطلق عليها اسم مدام هورتينس كان زوربا قد أحبّها في بداية الرواية، بأن زوربا يريد الزواج من تلك المرأة، ممّا يغضبها ويجعلها تُخيّر زوربا بين الزواج منها أو الفراق.

تنتهي الرواية بخسارة الرئيس لأمواله، ومعاناته من ضائقة مالية تجعله يقرر إغلاق مشروع منجم الفحم، ومغادرة جزيرة كريت، وقبل أن يغادرها يلتقي مع صديق رحلته زوربا، ويرقصان معًا الرقصة الأخيرة على الشاطئ، ولكن مع مرور الوقت لا ينفكّ الصديقان من التفكير ببعضهما، زوربا في قريته، والرئيس في بيته، والذي يقرر توثيق هذه القصة بكتابتها، ولاحقًا يحلم بأن صديقه زوربا قد مات، وفعلًا تصله رسالة تخبره بوفاته، وبأنه لم ينسهُ أبدًا، وقد أوصى بإعطائه آلة السانتوري الآلة الموسيقية التي كان يعزف عليها.

السعادة كلها تكمن في قلب بسيط وحياة معتدلة - اقتباس من رواية زوربا


الفلسفة الروائية في رواية زوربا

إن كمية الأفكار الفلسفية التي تحملها الرواية، قد تصيب القارئ بالملل؛ خصوصًا أن سرد معظم الأحداث يمتاز بالإطالة، وكثرة التوضيح والشرح، وهذا برأيي جعل الرواية جافة بعض الشيء، وثقيلة أحيانًا على القارئ، وأعتقد أن الكاتب عمد إلى ذلك؛ بهدف نقل كافة التفاصيل الواقعية في الرواية إلى القرّاء، ليجعلهم أكثر قربًا من شخصية زوربا، والتي يبدي الكاتب انحيازًا تامًا لها؛ من خلال نقله لجميع حركاتها وردود أفعالها بدقةٍ متناهية، وتفسير ذلك برأيي أن شخصية الرئيس في الرواية هي عبارة عن توضيحٍ لما حدث بالفعل في الواقع بين المؤلف وبطلها زوربا.

جمع الكاتب خلال أحداث الرواية بين الكثير من الأمور التي تشكّل مكوناتٍ أساسية لحياة الإنسان، كالمال، والثقافة، والحُبّ، والذكاء، والفنّ، والجنون، والعقلانية، والفكر، وغيرها. ومن هنا استخدم شخصية زوربا لتكون الأداة التي أراد من خلالها الحديث عن جميع الإشكاليات التي تعتبر من الموضوعات الإنسانية، والمرتبطة بالبشر، وأيضًا تُعدّ من عوامل الاختلاف بين النّاس على مختلف أعمارهم، وثقافاتهم، ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية، وهكذا أراد الكاتب أن ينقلَ خلاصات هذه المجالات إلى القارئ بما يجعله يتعايش مع كلٍ منها، ويراها بمنظور آخر أو مثلما حصلت معه، بناءً على طبيعة كل حدث تحدّث عنها في الرواية؛ من خلال أدوار الشخوص فيها وأهمهم محرك الأحداث الأساسي زوربا.

أخيرًا، أضيف تقييمي الخاص للرواية بمنحها علامة 4 من 5؛ حيث إن العلامة التي فقدتها كانت بسبب السرد الطويل بعض الشيء لعددٍ من الأحداث، وأرى أن الاختصار في إيصال الأفكار للقراء، بما يوضّح الهدف من الحوار أو المشهد سوف يساعد على فهم النص أكثر، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع الآراء والأفكار الفلسفية التي قدّمها نيكوس كازانتزكيس في رواية زوربا؛ ومحاولته الوصول إلى المثالية أثناء التعبير عن الكثير من المواقف والمشاهد، إلا أنه لا يمكن إغفال مدى نجاح الكاتب في تحقيق تأثير ملحوظ عند القارئ؛ تحديدًا بعد غوصه في جميع الانفعالات والأفكار البشرية التي ينقلها زوربا ببساطة، ودون أي تكلف، بالتزامن مع توظيف التكامل بين شخصية الرئيس وشخصية زوربا، وكيفية اجتماعهما معًا في سبيل تحقيق هدف مشترك على الرغم من الاختلاف بينهما في كل شيء.