رواية البرتقالة الآلية ومجتمعات العنف بين الحقيقة والخيال
البرتقالة الآلية
A Clockwork Orange
للكاتب أنتوني بورجيس
انتهيت من قراءة هذه الرواية التي ستجعلني أكتب مقالاً من أصعب المقالات التي كتبتها في حياتي، هذه رواية ليست لأي مبتدئ في القراءة، ولا أعتقد أنها تصلح لمن لم يتجاوز سناً معيناً، هي خطيرة على المراهقين أو صغار السن، لأنها مفعمة بالعنف والجنس والجريمة.
ما هي البرتقالة؟
كلمة برتقالة هي كلمة من جزر الملايو وتعني الإنسان، أي تحويل الإنسان إلى ما يشبه الآلة ومن هنا جاء اسم الرواية.
البطل الذي ليس بطلاً
بطل القصة أليكس هو مراهق في الخامسة عشرة من عمره رغم أنه يبدو أكبر من ذلك، جريء وذكي ومتفتح وسادي ومجرم وشديد الميل للعنف وعبثي في عنفه وفي إجرامه، العنف لديه لا يحتاج إلى سبب سوى رغبته في ذلك ومتعته في ارتكاب الجريمة.
يشغل دور رئيس العصابة الصغيرة من أربعة أفراد يماثلونه في السن، جورجي وبيتر وديل الضخم الجثة الشديد العنف لكن بذكاء محدود، يقومون كل ليلة بأفعال عنيفة وجرائم متعددة منها ضرب أستاذ يمشي وحده في الشارع يحمل كتباً، وضرب رجل سكير ضرباً مبرحاً، واقتحام محل وسرقته وضرب صاحب المحل وزوجته وتركهما ينزفان، وسرقة سيارة والتجول فيها في الضواحي واقتحام بيت كاتب وضربه حتى انتفخ وجهه واغتصاب زوجته بعنف شديد.
عالم ديستوبيا
كل هذا يجري في ليلة واحدة وفي بريطانيا في عالم يفترض به أن يكون التسعينيات من القرن الماضي علما أن الرواية كتبت في الستينيات تخيلاً لما يمكن أن يكون في التسعينات، عالم غريب من حكومة ديكتاتورية شمولية شديدة التطرف والعنف، وكذلك قوات الشرطة التي لا تقل إجراماً عن المجرمين، بلاد مسحوقة وقذرة وبذيئة بما يسمى ديستوبيا أو عالم رديء أكثر ما تكون الرداءة.
يصور الكاتب عالم المراهقين المنحرفين في الإجرام انحرافاً حاداً جداً، جرأتهم وعدم خوفهم من شيء، لا وجود لضمير ولا خوف ولا أي رادع، حتى اخترعوا لغة شوارعية خاصة بهم يلوكونها في البارات تحت تأثير المخدرات القوية، فيقومون بأشد الجرائم عنفاً وبذاءة.
انقلب السحر على الساحر
وهكذا يكون القسم الأول من الرواية الذي يحلل فيها أليكس نفسه حياتهم وحياته هو حتى أنه يقرأ الجرائد والمقالات التي تتحدث عن الشباب الحديث ونزعتهم الإجرامية، جدير بالذكر أن أليكس هنا ليس غبياً أو غافلاً عما يفعل بل على العكس، هو واع تماماً لإجرامه ونزعته السادية ويذكر مراراً متعته ورغبته الحقيقية في ارتكاب الإجرام العبثي، واقتبس هنا من الرواية على لسان أليكس (شيئاً من الترفق يا سادتي الكبار، اذ لا يمكنني وحسب أن أطيق تقييد حريتي، إن كل نشاطي سوف ينحصر في المستقبل الممدود أمامي بأحلامه الوردية قبلما أتعرض لضرب مطواة أو دق عظام بسلسة أو في سيارة مهشمة على الطريق السريع هو أن لا أتعرض للاعتقال، هذا كلام صريح، لكن وخزهم هذا أو تشديد الوطأة –يقصد الحكومة والشرطة- فيما هو سبب أفعال الفساد والسوء، انما يثير ضحكي! فهم لا يبحثون فيما هو سبب الصلاح، وإذا فعلام البحث عن سبب الفساد؟ إذا كان الناس صالحين فلأنهم يحبون هذا، وما يكون لي أن أتدخل فيما يسبب ارتياحهم، وهكذا، يجب أن ينطبق على الطرف الآخر! وأنا من أنصار هذا الجانب، وأكثر من هذا فإن الفساد هو فساد الذات، ذاتي أو ذاتك فيما يعني كلامنا وحده، وفساد الذات هو الفطرة التي ينشأ الانسان عليها، لكن الفساد لأنهم لا يبيحون الحرية المطلقة، واذا فإن ما أفعله انما أفعله بدافع من ذاتي ولأنني أحب أن أفعله!.....).
يظهر الحوار أن أليكس ليس ساذجاً أو غبياً بل هو واع تماماً لما يفعل ولأسباب ذلك، وهو أنه فعلياً فاسد من الداخل، ومن نفسه هو، بلا تربية ولا أخلاق ولا ضمير، بل ويضحك على من يعزي سبب فساد الأفراد إلى فساد الحكومات، لأن العكس فعلياً هو الصحيح، وأن سبب الفساد هو عدم وجود الحرية المطلقة! وما هي الحرية المطلقة وما الذي يمكن أن تؤدي إليه؟
ينتهي القسم الأول بأن يعتقل أليكس بسبب جريمة ويحكم عليه بالسجم لمدة 14 عاماً، وهنا يبدأ القسم الثاني، يتحدث عن السجن والحال فيه وأنه أصبح يرتاد الكنيسة ويقرأ الكتاب المقدس لا رغبة في الصلاح بل لكي يستمتع بالأقسام الفاحشة فيه ولكي يقرأ عن حالات الضرب والعنف فيه ويتخيل نفسه من يحمل السوط ليضرب السيد المسيح!
بالإرادة أو بلا إرادة؟
بعد حالة ضرب لسجين آخر مفضي إلى الوفاة يتم اختيار أليكس للخضوع لعلاج حكومي جديد يفترض فيه أن يهديه إلى الصلاح التام، بمعنى آخر أن يصبح بلا إرادة، بلا إرادة حقيقة لأن يكون صالحاً او فاسداً بل ببساطة لكي يصبح بلا قدرة على ارتكاب الجرائم عن طريق علاج سموه علاج لودفيكو حيث يحقن بمادة ويجبر على مشاهدة أفلام مفرطة في العنف وربطها بحالة حيث يسبب له العنف أو رؤية العنف الغثيان والقيء والمرض، وهكذا يسلب ارادة العنف تماماً، وينتهي القسم بأن يجروا عليه فحصاً مذلاً مثل فأر تجارب أمام وزير الداخلية وعدد من الأشخاص الآخرين.
القسم الثالث يكون بعد خروجه من السجن واعادة تأهيله ليمتنع عن العنف، حيث يواجه الكثير من الأشخاص والأشياء التي تغير حياته مراراً وتكراراً، من أصدقاء وأعداء ورجال معارضة يحاولون استغلاله ضد الحكومة وعلاجها المفترض للجريمة.
خيوط كثيرة في رواية واحدة
يمكن أن تصنف الرواية ضمن الخيال العلمي أو الخيال السياسي، تصف عالماً آخر وشخصيات منحرفة، رواية صعبة الهضم وزخمة بالأفكار، كل شخصية فيها محور مهم، فيها الجميع مجرمون، والمجرم يتحول إلى ضحية وهو لا يزال مجرماً، وهناك المجرم الصغير والمجرم الكبير، العنف السادي العبثي.
حالة سياسية واضحة مرتبطة بالمجتمع وبالمراهقين المجرمين، تحليل ذلك الواقع الخيالي الذي يبدو مرتبطاً نوعاً ما بالواقع الغربي والمجتمعات الغربية، ودعوات الحرية وإلى أي مدى يجب منح هذه الحرية؟ هل الإصلاح ممكن؟ كيف؟ ما أسباب الفساد من الأساس؟ هل الفرد أساس الفساد أم الحكومة أساسه؟ وهل أحدهما مرآة الآخر فعلياً؟
هل عليك أن تقرأ هذه الرواية أم لا؟
إذا لم تكن قوي القلب، شديد التحمل فلا تقرأ هذه الرواية، لأنها تسبب الاضطراب والضيق لكنها في الحقيقة عمل فني قوي ومتميز، اذا كنت تحب روايات الخيال السياسي وانتقاد الحكومات والسياسات فاقرأها وستعجبك بقوة.
يجدر بالذكر أنها قد حولت إلى فيلم سينمائي في سنة 1971 من إخراج وسيناريو وحوار ستانلي كوبريك، حيث اختلفت رؤية الفيلم عن الرواية بعض الشيء وخصوصاً النهاية التي اختصر منها المخرج فصلاً كاملاً، هذه ما أثار حنق الكاتب الذي ظل ينتقد الفيلم حتى توفي، وقد منع عرض الفيلم في عدة دول بسبب مشاهد العنف القوي المفرط والمشاهد الجنسية وموضوع الجريمة فيه.