عودة إليَّ

تُراوحنا الأيام بين كرّ وفرّ نلاحق أهدافنا وطموحاتنا، ولئن استوقفتنا أحيانا ببعض مشاغلها ومتاعبها، نتحدّى فيها الظروف والعوائق، نأخذ نصيبنا من المشقّة وتكبّد النتائج لكن عِظَم الطموحات التي نحملها هي من تجعلنا لا نستسلم لكل ما يعترضنا، تتوارى الأهداف مع مجريات الحياة لكنّها تبقى الوجهة التي نسعى من أجلها ولها.
لم تكن تنقصني الطموحات والأهداف، كنت أغلي وعقلي بترتيب ما أريد تحقيقه؛ بالكثير والكثير من الآمال والأحلام، كلّها مرتبطة بهدف أولي؛ أن أجتاز المرحلة الثانية من دراستي الجامعيّة، كل يوم كنت أرسم جزءًا من حياتي التي سأحققها، وأحيانًا أتخيّل مشهدًا متكامل الملامح من المستقبل وأنا في خِضمِّ انطلاقتي، فأسعد بالصورة وأتحفّز أكثر.

خُطوتي الأولى

أُقبل بكل عنفوان على كلّ واجب ينتظرني، أُزيل عقبات كلّ مهمّة توصلني إلى الهدف، استمررت مُنصبّة التفكير في اتجاه واحد، لم أَحسُب أي حساب لأي تغيير مفاجئ في مجرى الأحداث القادمة، ببساطة لأنّ حياتي كانت هادئة ورتيبة. لم أُصوّر في كل مشاهدي أيّ صورة أو أيّ تدخّل قد يطرأ على المشهد فيُربكه. لكنّ الأحداث بدأت تتغير شيئًا فشيئًا؛ بدأت قِواي تتراخى، لم أتنازل عن الهدف لكنّي غيّرت الطريق إليه، سلكت طريقًا آخر، لا أدري هل سرت فيه بمحض إرادتي أم قادتني إليه أفكاري، مضيت وأنا أدفن بداخلي أهدافي وطموحاتي، أقف أحيانا أُراجِع ونفسي ما خطّطنا له، ثم أمضي بنصف قناعة أنني هناك على الطريق إليه مهما اختلفت حدوده وملامحه. رُغم أني لم أتوقّف عن السير نحو الهدف إلا أنه يبتعد كلما اقتربت منه، ثم بدأت الحياة تسحبني إليها أكثر وتطيل المسافة بيني وبينه، غمرتني أحداث وأحداث، واشتدّ تباعدي والهدف في الزمان والمكان. دخلت مُعتركًا مصيريًّا في حياتي وبالتوازي كنت أحاول الاقتراب من الهدف لكنّه أبى أن ينتظر، سئمت ملاحقته واستسلمت لابتعاده، وانغمست في زمرة الأحداث والمجريات؛ غادرتني طموحاتي وأهدافي، غادرتني بهجتي وإقبالي على الحياة، غُصتُ مع نفسي وانزويت، كغريب في وطن غير وطنه أتلعثم في الطرقات، أبحث عن نفسي وعن الآخر وعن المعنى الذي فقدت، عُدت وأنا أتحسّس وأتعرّف على الأشياء من جديد؛ من زاوية مختلفة وبروح مختلفة أيضا.

خُطوتي الثانية 

في الأخير نجوت ونهضت من جديد، والهدف يُلوّح لي من بعيد، استدركت وعدت أتهادى إلى الطريق، وفي أثناء ذلك وبدون مقدّمات دخلت معتركًا مصيريًّا آخر، ممّا جعلني أتمهّل في السير نحو الهدف، ثمّ تجاوزته بِنجاح. وقصدت الهدف مجدّدًا لكن هذه المرة أردته عُنوة، لأنني كنت مؤمنة بأنه الوقت المناسب لذلك ولا بدّ أن أحقّقه، لا بدّ أن أتجاوز عقبة هذا الهدف لأصل إلى ما أريده، لكن لا، أبى أن يتحقق ثانيةً، أبى أن يستسلم لي، غادرتني البهجة والحياة ثانيةً وزارني شعور الغربة من جديد، تضاءلت أمامي قوّتي وإيماني.

ما الذي تريد أن تقوله الحياة لي؟ ألست مستعدةً بعد لأن أكون كفؤًا لهذا الهدف؟

عُدتُ إليّ من جديد

لا أنكر أنّ ما حصل معي جعلني أغادر أفكارًا واعتقادات قديمة شلّت تفكيري وجمّدته، لا أنكر أنني بدأت أعود إلى نفسٍ مُتجدّدة وأغادر نفسًا قديمة غير ناضجة، لا أنكر أنّ ما مرّ ساهم في نضوجي، لكنّي ما زلت أنتظر الوصول للهدف المَرجُوّ، وما زلت أستقبل الدروس من الحياة إلى أن أصل له.

لا أدري ما السرّ وراء هذا الطريق لكنّه طريقي الآن ويجب أن أتخطّاه شئت أم أبيت.