رُوحٌ بطَعم الذئب.. هل تُنجينا؟
- عنوان الكتاب: طعم الذئب
- المؤلف: عبد الله البصيّص
- الناشر وسنة النشر: المركز الثقافي العربي، 2018
- صدرت للمرّة الأولى: مارس/آذار، 2016 عن المركز الثقافي العربي
- عدد الصفحات: 224
- النوع الأدبي: رواية
طبيعة البيئة الصحراويّة للشخصيّة البطَلة
قصّة الرواية مُثيرة جدًا، تَخرُج من قَلب الصحراء، تتمحور حول شخصية ذيبان، هذا الرجل المُسالم، الجبان بمفهوم أهله، كان عكس أبيه الفارس الذي يَهابه القاصي والداني، لكنّه كبر دون أن يرث من قوّته شيئًا.
عاش ذيبان مع أمه عند أخواله بعد وفاة أبيه، ويعد الرجل الوحيد بعده، وُلد ذيبان بلعنة الجُبن والخوف الملتصقة به، لكن كان اختيارًا منه أن يكون جبانًا، لا يريد أن يؤذي أحدًا؛ مُسالمًا، يواجه عُنف أقرانه بالسلم، مُحبًا للحياة، باحثًا عن منابع الجمال فيها، بين إنشاد الشعر و عزفه على الربابة آلته المفضلة قرب الغدير أمام الجميلات، يجذبهُن بحسن نَظمه. كان مُحبًا للعَون، يُساعد دون تكلّف، لا يرى شيئًا يستحق أن يُعكّر صَفو مَزاجه مع الحياة، لكنّه يكبر دون أن يتخذ من سمات الخشونة و الصلابة ما عند رجال قبيلته، ما جعله سُبّةً لأهله، لكنه يستسلم خانعًا لكل سُبابهم دونما شعور بالذنب.
شرَارة تغيير المسار
كان ذيبان لاهيًا بحبّه المنشود شعرًا لفاتنة الرجال "غالية"، كانت تستدعيه إلى ربوعها لتسمع منه شعرًا يزيدها غرورًا، ما جعلها تفضّله عن بقية الفتيان، لكنه ما فتئ أن اكتشف أنها مثلَهم تزدريه وتسخر منه إذا ما رأته مغلوبًا يواري جُبنه بالهرب والترك؛ لأنه لا يريد أن يؤذي أحدًا. في ذلك اليوم كان يُنشدها أبياتًا استفزّت بجرأتها شيطانه الشعري، ولكن "متعب" كعادته تسلّط عليه أمام الفتيات ليثير إعجابهن بقوّته أمام ضعف ذيبان الجبان، لكن الحب الصادق الذي كان يكنّه ذيبان لغالية انتقم لنفسه بمجرد أن أحسّ أنها لَعبت به وبمشاعره، فثار ضربًا لمتعب حتى أغداه قتيلًا! وهل ذيبان يقتل كما اعتقد أهل قبيلته؟ نعم، إنه فعل ولا يدري كيف.
وظلّ يهرب مع الهاربين من نفسه، لا يدري كيف فعلها.
وكيف تكوّرت داخله صلابة الرجال ليقتل؟
ففرّ هاربًا لأخواله، وكعادة البدو الدم بالدم، ومن المسلمات الثأر للدم المهدور، فمات من أبناء خاله اثنان، ما أشعل حُرقةً بقلب أمّهما، جعلتها تُخطّط للخلاص منه، حتى وصلت به إلى حلبة القتال مع خصمٍ الموتُ أرحم من رؤيته.
لكنّ قدر ذيبان كان عجيبًا، فقد سَلِم من الموت، لكنّه لم يسلم من فضيحة انفجار مثانته في وقت القتال، فلم يعد عند خصمه يستحق القتل، فالثأر كان بتركه يموت كل يوم يتجرّع فضيحته! ما جعل خاله يتبرّأ منه خوفًا من أن تنال نار فضيحته أقدار أبنائه وأهل القبيلة، وكان الخروج من القبيلة والذهاب إلى الكويت هو الخيار المناسب.
القدر الذي ينتظر ذيبان
وانطلق ذيبان في صحراء قفر وشعاب منخفضة ونباتات مندثرة، يسلك طريقه محمّلًا بخيباته، يُحدّث نفسه بالسؤال والإجابة والحيرة والتوهة، خطر بباله ما مضى من حياته، خطر بباله ذيبان الذي خرج من نجد وذيبان الذي يريده أن يكون في الكويت، خطر بباله سرّ الوجود وغايته، خطر بباله الموت إن باغته وحيدًا، خطر بباله كل سبب أدى إلى وحدته، لكن لم يخطر بباله قطّ أن يتسامر في ليلةٍ بين الحلم واليقظة مع ذئب كاد أن يفترسه في النهار! ليلة حملت معها قدرًا لذيبان لم يكن يُخطط له، كان منهزمًا أمام ضعفه، مستسلمًا معلّلًا ذلك بمرارة أذية الآخرين.
كان يخطط لقدرٍ أكثر ملائمة لجُبنه، لم يكن يعلم أنه يحمل داخله من النور ما يجعل الذئاب تلاحظه وتهابه! ما يجعل الذئاب تُبدي لُطفها لدعوته لمسامرة ليلية، كان الخوف والرعب يلتهمان ذيبان، بين مصدّق ومكذّب لما يراه، ذئب يتكلم ويمشي كالبشر! ألا يكون هذا هذيانًا! ألا يكون هذا حلمًا؟ تذكّر الحُلم! هو نفسه الذئب الذي رآه في حُلمه عندما احتمى داخل الجُحر خوفًا من افتراسه له؛ كان ذئبًا بهيئة البشر يعزف الربابة وينشد الشعر حتى إنه يتذكر الأبيات!!
يناجي الله خوفًا من الجنون! لكن الذئب اهتدى إلى طمأنته بأنه صديق وليس عدو وسيكون كذلك لليلة واحدة فقط، بين ليل ونهاره الأقدار تتلوّن! أقدار ذيبان لم تعد واضحة بالنسبة له، المهم عنده أن يتيقّن هل هو في حلم أم في يقظة؟ لكن الذئب يحدثه وذيبان يفعل أيضًا!
الحديث وتخفيف العبء، التجارب والأسباب، العدل والظلم، الخطأ واللامبالاة، الدور الذي وُكّلت به، الشعور، اللعبة تدور حول الشعور، كان هذا حديثهما، لكن الشعور! أن تشعر أنك إنسان أو أن تشعر أنك ذئب، هل يُحدث فارقًا عند ذيبان؟
لكن هل يحتاج أن يشعر الإنسان بكونه ذئبًا؟ أم أن يكون إنسانًا بطعم ذِئبٍ؟
وتلونت الأقدار لذيبان كعادتها، وهو ما زال يتخبّط في استيعاب ما قاله الذئب، حتى باغته عدوّ النهار، لكنّه استنجد بالشعور الذي كرّر تقبّله مع صديق الليل فنال منه وحَقن دمه بدمه حتى ثارت كل فرائسه صارخة بطعم الذئب!
صديق الليل هو نفسه عدو النهار!
طعم الذئب وعُواؤه في روح ذيبان. هذا ما كان يستحقه!
تشتدّ حَبكة الرواية في أوّلها شَوطًا كبيرًا ثُمّ تتضاءل الأحداث فِي تَواتُرها، ثُمّ تَستعيد شدّتها فِي الخاتمة.
نَسجُ تناغُم الشخصيات وسِحرُ أسلوب الوصف
كانت شخصية ذيبان هي الشخصية الأكثر إقناعًا، نجح الكاتب في رسم دور هذه الشخصية بامتياز، لعبت الدور وأدّت المهمة عن جدارة، تكاد تكون شخصية مهيمنة في أحداث الرواية، عدا بعض الشخصيات العابرة كشخصية متعب وغالية، مثّلتا الدور لإظهار شخصية ذيبان أكثر. أظهر الكاتب من خلال شخصية ذيبان تساؤلات عديدة تُطرح من قلب نمط عيش أهل البادية والصحراء؛ العادات التي يحتكمون إليها، القيم التي يؤمنون بها، وعدة تساؤلات تختلي بعقولنا في خضمّ وحدتنا، وغيرها من الأفكار التي تحتلّ تفكيرنا.
وما أضاف للرواية سِحرها؛ أسلوب الكاتب الإبداعي في السرد؛ أسلوب وصفيّ جذّاب، وألفاظ جزلة نابعة من تراث لغوي صحراويّ، يكاد يكون طابع اللغة الصحراويّة واضحًا جليًّا، أسلوب سرديّ مُتمكّن من تلابيب اللغة دون تكلّف، وبلاغة ساطعة سَلِسَة.
رواية تستحق التأمل
أثار إعجابي رسم الشخصية البطلة؛ حمّالة للأفكار التي يحملها الإنسان بين ثنايا عقله منطلقًا من بيئة صحراوية. حمّالة بزوايا مختلفة من طبائع أهل البادية، لكن النهاية لم تكن متوقعة، لم يُسهب الكاتب في وصف وسرد ما آل إليه حال ذيبان بعد صراعه مع الذئب.
رواية تستحق الكثير من التأمّل في ثناياها؛ شخصيّة ذيبان والحِكم التي ساقَها الذئب إليه بين حلم ويقظة، العادات التي خرج منها ذيبان، اختلافه المنبوذ في قبيلته، تشبّثه في اختلافه وشاعريّته السليقة التي تزيده تشبّثًا، وما وصل إليه ذيبان بعد مناكفته مع الذئب.