وقفة ضد العاطفة العمياء

الحدث

في لحظة تمزج بين العاطفة العمياء والقسوة المفرطة، وقفت أمٌ أمام القاضي لتدافع عن ابنها، قاتل ابنتها، في مشهد يجسد مأساة إنسانية وأخلاقية عميقة. قالت الأم ببساطة ومن دون تأثر: "كانوا بيتناقشوا، قام ضربها واتوفت عادي، أنا متنازلة عن حق بنتي لابني". بهذه الكلمات، حاولت الأم تبرير ما لا يبرر. لكن هل يمكن أن يكون هناك شيء عادي في موت ابنتها على يد ابنها؟

الأمومة والتغاضي عن الجريمة

الأمومة هي شعور عميق بالجذور، يربط الأم بأبنائها برابط من الحنان والحب غير المشروط. لكن، عندما يتحول هذا الحب إلى غطاء للتغاضي عن الجريمة، فإنه يتحول إلى قوة هدامة تهدد أسس العدالة والمجتمع. لم يكن من السهل على هذه الأم، كباقي الأمهات، أن ترى ابنها يواجه مصيرًا قاتمًا، لكن تبرير قتل ابنتها وتحويل الجريمة إلى حادثة عرضية "عادية" هو إنكار للعدالة وحق ابنتها في الحياة.

الثقافة المجتمعية والتمييز الجنسي

ادعت الأم أن الابن لم يكن يريد قتل أخته، وأنه ضربها لأن "الناس عايرتهم وعلاقتها كانت مشبوهة مع البلد كلها". هذه الأسباب تعكس مشاكل أعمق في الثقافة والمجتمع، إذ يُنظر إلى الفتيات بعين الشك والريبة، ويتم تحميلهن مسؤولية شرف العائلة. في بعض المجتمعات، يُنظر إلى الذكور على أنهم الأعمدة الأساسية للأسرة، والحماة والمدافعون عن الشرف والعائلة. في هذا السياق، قد تجد الأمهات أنفسهن مضطرات للدفاع عن أبنائهن مهما كانت جرائمهم، لاعتقادهن بأنهم يمثلون مستقبل الأسرة وحمايتها. أيضًا، يمكن أن تكون الضغوط الاجتماعية والعائلية التي تُمارس على الأم سببًا في اتخاذها مثل هذا الموقف. هذا النوع من التفكير يعزز العنف ضد المرأة ويبرره، وهو ما يظهر في تبريرات الأم.

عواقب التغاضي عن الجرائم العائلية

التغاضي عن الجرائم العائلية تحت غطاء عاطفة الأمومة له عواقب وخيمة إذ يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويشجع على المزيد من العنف. قتل الأخ أخته ليس جريمة ضد فرد واحد فحسب، بل هو اعتداء على القيم الإنسانية الأساسية التي تحمي حياة الإنسان وكرامته. يجب أن تكون العدالة غير متحيزة، ويجب أن تأخذ مجراها بغض النظر عن العلاقات الأسرية والمشاعر الشخصية. وبرأيي أن الأمر الأشد إيلامًا هو أن هذه العاطفة المجحفة موجهة نحو الذكور فقط، فلو أن الفتاة هي من قتلت أخاها، لما وقفت الأم معها بهذا الشكل. إن هذه الازدواجية في المعايير تسلط الضوء على التمييز الجنسي المتجذر في بعض المجتمعات العربية، إذ يُعتبر الذكر هو محور الأسرة الأساسي، بينما تُهمل حقوق الأنثى.

التوازن بين العاطفة والعدالة

في الختام، يجب أن نتوقف لنتساءل: كيف يمكننا تحقيق التوازن بين العاطفة والعدالة؟ الأمومة شعور نبيل، لكن يجب أن تكون محكومة بالعقل والعدل. الدفاع عن الجاني بسبب الروابط الأسرية يعني خيانة الضحية مرتين: مرة حينما قُتلت، ومرة حينما تُركت بلا حق. المؤكد أن العدالة للضحايا ممن لم ينصفن حتى اليوم ونسينا أسمائهن ستتحقق وسيسترد حقهن من الجميع ولو بعد حين. وإن بقينا صامتين على هذه الجرائم، مثل قتل هذه الفتاة المصرية وسابقًا إسراء غريب، كنزة السادات، آيات الرفاعي، زينب زعيتر وغيرهن، سنسمع بالكثير من القصص المشابهة وسيكون من الجيد أن ننشئ موقعًا إخباريًا خاصًا بضحايا العنف الأسري والحفاظ على الشرف المزعوم.