عندما اختفى الدقيق

عندما ذهبت للتسوق في منتصف أبريل الماضي لاحظت اختفاء كل أنواع الدقيق من على أرفف مكان التبضع الكبير الذي أذهب إليه! ليس الدقيق فحسب، كانت مستلزمات عمل المعجنات والخبز كلها مختفية. سألت صديقاتي فقالت إحداهن: يبدو أن وجود النساء في المنازل بسبب فيروس الكورونا قد أيقظ فيهن حبهن للمطبخ.

على مجموعات الواتساب العربية، تبادلت النساء صور الأطباق التي صنعنها كل يوم، وعندما اقترب العيد، تبارت العديدات في عرض إبداعاتهن من كعك العيد بمختلف أنواعه، بعض اللاتي أعرفهن ولم يصنعن الكعك منذ زمن أو لم يصنعنه أبدا، أخذن الطريقة ونجحن في عمله. لاحظت أن نوعًا من الإبداع المنزلي في المطبخ غلب على سلوك الكثير من السيدات بل والفتيات أيضًا.

هوايات فنية ووسائل تعليمية

 أما من لم يستهوهن المطبخ، فقد أبدعن في عمل ديكورات المنزل في شهر رمضان وانتشرت أفكار مثل: عمل مسجد صغير في البيت وتزيينه لصلاة التراويح حتي يشعر الأولاد أنهم في المسجد بما أن كل المساجد مغلقة. هناك أيضًا مجموعات تكونت لتبادل الخبرات حول استغلال فترة الحظر في تعليم الأولاد وعدم تركهم أمام شاشات التلفاز أو هواتفهم المحمولة، وانتشرت الكثير من الفيديوهات حول طرق الرسم والتلوين وعمل أشياء فنية بأدوات بسيطة وغير مكلفة. وبالتزامن، انتشرت منصات إلكترونية لتعليم كل شيء تقريبًا بعضها مجاني، أكاديمية "إدراك" على سبيل المثال، فيها الكثير مما يمكن تعلمه من لغات، وتسويق رقمي وغيرها. وكذلك راجت الحلقات الدينية علي برامج مثل برنامج "زوم" الذي أصبح متنفسًا للكثيرين ليس فقط للتعلم وإنما لرؤية بعضهم البعض رغم أنهم يسكنون في نفس المدينة وربما في نفس الحي.

طوابير البريد

استفادت مواقع الشراء الإلكترونية استفادة عظيمة من بقاء عدد كبير من الناس في منازلهم، نتيجة الخوف من الخروج أو بسبب فرض حظر التجوال في مناطق كثيرة، إذ جنح الكثير من الناس إلى الشراء عبر هذه المواقع. وكنتيجة غير متوقعة، ازدحمت مصلحة البريد بالرسائل والمشتريات والطرود، وصار من الطبيعي أن يتأخر البريد داخل نفس المدينة أسبوعين بعد أن كان يصل في عدة أيام، ربما هذا النوع من الشركات كان من القلة المحظوظة التي لم يؤثر الفيروس على نشاطها.

هل يتغير النمط التقليدي للعمل؟

 هل لاحظتم أن ازدحام الطرق قل كثيرًا خاصة الطرق السريعة؟ أدرك الكثير من أصحاب العمل والمدراء أن العمل يمكنه أن يتم بينما  الموظفون في منازلهم، أو بأن يتناوب الموظفون على الحضور بعض الأيام. هذا بالطبع باستثناء بعض القطاعات مثل قطاع الصحة والمواصلات وغيرها التي ظل العاملون فيها يذهبون إلى عملهم كل يوم، لكنهم استفادوا بالتأكيد من قلة ازدحام الطرق. ربما يغير ما حدث وجهة النظر التقليدية التي تجعل كل العمال والموظفين يخرجون من بيوتهم في نفس الساعة ويعودون إليها في نفس التوقيت ما يخلق تكدسًا بشعًا في الشوارع ويزيد التلوث ويهدر الوقت والجهد. فكروا في كم التوفير الذي سيحدث عندما يقل عدد الموظفين وبالتالي عدد المكاتب وعدد الحجرات المستأجرة من قبل الشركات، فهل ينتهزها الاستشاريون فرصة لتغيير صورة العمل النمطية التي اعتدنا عليها لعشرات السنين؟

الدراسة عن بعد

بالنسبة لطلاب الجامعة والمعاهد العليا، تغيرت أيضا الصورة النمطية التي تجعل الطالب يستيقظ مبكرًا كل يوم، ويسابق الزمن ليلحق بالقطار أو الحافلة لكي يكون في جامعته في الثامنة أو التاسعة صباحًا، يجاهد ليبقى عينيه مفتوحتين وهو يحتسي كوب القهوة ويستمع إلى شرح المحاضر، ثم يعود إلى بيته في معظم الأيام قرب حلول الليل ليأكل ويستذكر وينام متأخرًا ويكرر نفس المعاناة في اليوم التالي.

مع بداية  إغلاق الجامعات والمعاهد والمدارس، بدأ طلاب كثيرون الدراسة باستخدام الإنترنت من داخل بيوتهم، ابنتي كانت من بينهم. كانت تلوح لي في الصباح وهي تغلق باب غرفتها ثم بين المحاضرات تجري لتلتقط بعض الطعام أو تصلي، وبنهاية  المحاضرات تفتح باب الغرفة وتنضم إلينا. بالنسبة إليها هي سعيدة بهذا النظام الجديد لأنها وفرت ما يقارب ثلاث ساعات كل يوم من التنقل كان جله في برد الشتاء القارس حيث كان يتعين عليها بعض الأيام أن تقف بانتظار الحافلة، في درجة حرارة تقارب العشرين تحت الصفر! ولطالما تأخر قطار العودة عليها وكان لزامًا على أحدنا أن يقابلها بالسيارة في مكان ما لتعود إلى المنزل. لكن ما تشكو منه هي وصويحباتها الآن هو تأجيل اللقاء السنوي الذي كن يحتفلن فيه بانتهاء العام الدراسي وتناول الطعام في مكانهن المفضل ثم التنزه معًا وسط المتاجر.

وداعا للانتظار بالساعات في عيادات الأطباء

من منكم لاحظ أن الكثير من عيادات الأطباء أصبحت أقل ازدحامًا؟ لا أتحدث هنا عن المستشفيات بل عن مكاتب الأطباء ذات التخصصات العادية البعيدة عن أعراض الفيروس. بالنسبة لي، كان الذهاب إلى الطبيب العام يستغرق ما بين الساعة إلى الثلاث ساعات ربما فقط لأحصل على روشتة لدواء استعملته من قبل. صارت معظم زيارات الأطباء تتم بواسطة الهاتف أو دائرة تلفزيونية إن كانت الحالة تستدعي أن يراك الطبيب أمامه. فهل يصبح هذا نظامًا جديدًا في المستقبل؟ ربما كان من الممكن أن يكون هناك يوم للحالات التي لا تتطلب أن يذهب المرء بنفسه إلى الطبيب.

نحن في الداخل وهم في الخارج لأول مرة

أثر غياب البشر على غيرهم من المخلوقات التي تشاركنا عالمنا، فصارت الناس في المناطق التي تجاور الحدائق تشاهد أنواعًا من الحيوانات والطيور التي ندرت مشاهدتها في السنوات الماضية. أحست هذه الكائنات لأول مرة من زمن، أن بيئتها الطبيعية تحررت من ذلك الوحش الذي قطع الأشجار ولوث كل شيء حوله. هل رأيتم الفيديو الذي نشره أحد سكان "أوتاوا"  في كندا عن  صغير "الموس" الذي استحم في حمام السباحة الخاص بالمنزل؟ صرنا نحن المساجين في بيوتنا والحيوانات والطيور حرة طليقة! لا أعرف لغتها لكن ألا تظنون معي أنها تشعر بالسعادة؟

لكن هناك جانب آخر أقل إشراقًا بالنسبة للبيئة، إذ إن استعمال البلاستيك وما يشابهه من مواد زاد كثيرًا، بدءًا من البدلات الطبية التي يرتديها الأطباء والمسعفون إلى الأقنعة الطبية التي تلبس مرة واحدة ثم ترمى، وأكياس البلاستيك التي نضع البضائع فيها ومشترياتنا ويعمد معظمنا إلى التخلص منها خوفًا من أن تكون قد تلوثت بالفيروس. في ظني أنه ستكون هناك زيادة ضخمة في مجموع القمامة التي أنتجها الإنسان في هذه الأشهر الستة المنصرمة منذ بدء التعرف على هذا الفيروس. 

كانت هذه ملاحظاتي عن تغير طريقة الحياة حولى نتيجة لانتشار وباء كورونا، ماذا عنكم؟ ما الذي تلاحظونه قد تغير في طريقة حياتكم؟ وهل هذا التغير في رأيكم كان تغيرًا للأفضل؟