لعنة
عاكستْها الحياة، وابتلعَتْ الظروف بعضًا من أيامها خانقةً شبابها بألمٍ وبعض المعاناة، فوصلَت بها السبل لتعتقد أن هناك لعنةً ما قد حلّت عليها، وقد نجح الشيطان فعلًا في مساعدتها على رفع يدها وطرق ذلك الباب، باب الشك برحمة ربها ومساندته إياها.
ثم هدأت الأيام وانتهت الريح العاتية، وتدفقت حياتها مجددًا بوتيرة أجمل وأنقى، أكثر نجاحًا وأعلى هِمّة، وكأن ما حدثَ معها ما كان إلا رجوعًا لسهمٍ أراده الله أن ينطلق بعزمٍ أكبر من أسهم البشر، بحبه وتشجيعه هو جل جلاله. وحينها فقط أدركَت ما معنى أن الله معك ولكنك مُصرٌّ على التعامي واللحاق بركب النادبين، إذ يدخلك في امتحان واختبار، ينقيك، ينجيك، يشفيك، ومن ثم يقربك له لأنك عبده وعِنده قدْرُك كثير!
أدركَتْ وبكَتْ، وكم لعنَتْ أفكارها التي سمحت لها بالتشكيك بعروة الصلة الوثيقة بينها وبين حبيبها ومعشوقها ومعبودها، استغفرَتْه كثيرًا ولكن ليس بما يكفيها، ولا بالطريقة المعتادة باللسان فقط، بل بروحها وقلبها وعقلها، كانت تنظر إلى السماء بعينَي رأسها وقلبها وتناجيه بكل رجاء قائلةً: "أنا العبد الذليل، تفهمه أليس كذلك؟ تدرك أنه من طينٍ شكّلته بيديكَ النورانيتَين ونفختَ فيه من روحك وحبك, إنك الأقرب لنبض هذا الطين اللازب والأعرف بما يخالج شعوره في حال اليأس والإحباط، يرتعش قلبه اللين إذا ما استشعرَ أنك ولك المثل الأعلى قد بَعُدتَ عنه، يشعر بالضياع واللاوجود، فيصير إليك ولكن بتخبط وحزن، لا تعاتبه ولا تحزن منه جعلتني فداكَ، لأنك عالمٌ بقدْرِك في قلبه وروحه، بل في حياته كلها وبنبض شرايينه، إنك خالقه وبارئه، فمن أقرب؟! لا شيء سواك، ولا حبيب سواك، ولا منجي سواك ولا معشوق سواك ولا إله سواك، يا سؤالي وسُؤلي وكُلّي.