الرضاعة الطبيعية بين العطاء الرباني والحرمان الإنساني

يحتفل العالم من كل عام بالأسبوع الأول من شهر آب بما يسمى #أسبوع_الرضاعة_الطبيعية وذلك دعماً للرضاعة الطبيعية ونشر التوعية بأهميتها..

اليوم وقد أتمت ابنتي الثماني أشهر، فإني في كل يوم أدرك مغزىً ومعنىً جديد لهذا الأمر، فهو ليس متعلقا بالغذاء وحسب، وإنما بأفكارنا ومجتمعنا، معرفتنا وتوجهنا لركوب موجة جديدة وتحدي أنفسنا وغيرنا فيها.. مسؤولية احتساب ما يدخل جوف الطفل من غذاء .. مرحلة الأمومة الأولى..

وكأي مرحلة من مراحل حياتنا.. يكثر الكلام والنقد، بدءاً من الطبيب إلى امرأة تلتقينها في السوق صدفة ولا تعرفينها لكنها سمحت لنفسها بالتدخل!

سأتحدث بنقاط سريعة عن الموضوع من تجربة شخصية بحتة، كما أن لكل أم تجربتها الخاصة بها وظروفها المتعلقة بطفلها والتي تختلف عن طفلها الآخر، فكيف من أم لأم؟!

بداية حين نقول رضاعة طبيعية بحسب منظمة الغذاء والدواء فإنها تعني إعطاء الطفل الرضيع منذ يومه الأول حتى عمر الستة أشهر حليب أمه فقط بدون إدخال أية أطعمة أو سوائل أو ماء مهما كان نوعها، حليب الأم فقط.

* الرضاعة الطبيعية قرار شخصي مطلق تتخذه الأم تجاه طفلها، وهي بالتالي من تتحمل تبعاته مع طفلها.

* الرضاعة الطبيعية تعني فلسفة الأم تجاه طفلها مع شريك حياتها زوجها والتي بناءً عليها يأتي صبر الأم لقطف ثمار صبرها هذا، ومساندة زوجها لها إيماناً منه بالنتيجة المرجوة.

* ينظر الناس للرضاعة على أنها شيء ((مادي)) كالأشياء المادية التي تدور من حولنا، وبالتالي هي سبب من أسباب العَلف للطفل، وعليه يجب أن يكون الأطفال بصور نمطية متشابهة في الحجم والوزن وتورم الخدود وانتفاخ الأرجل، دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الفردية لكل طفل بحسب ظرفه وولادته ونموه وأحجام العائلتين، فإن كان طفلك نحيفاً -بنظرهم- فهذا لأن حليبك من المؤكد غير كافي، ولا أعلم حقيقة كيف يصلون لهذه الاستنتاجات كما أنهم لا يقتنعون بأن طبيبه قد طمأن بشأن وضعه الصحي وحيويته التي لا تشكو من أي شيء وعوارض... ثم أي طفل قد ولد للتو غرضه من الحياة الرضاعة والنوم والأماااان ثم لا يجد غذاءه فيضع رأسه وينام؟!

لذلك عزيزتي.. اسمعي من هون وطنشي من هون..

نأتي للنقطة الأخرى.. ليس كل بكاء الطفل هو جوع.. هذا شكل من أشكال المادية.. فالطفل الذي اعتاد تسعة أشهر على أن يكون مضموماً ومحضوناً بدفء قلبك، ليس من السهل عليه تقبل هذه الحياة وما فيها....يا شيخة نحن خمسين سنة ومش متحملين هو بدو يتحمل بكم شهر؟!🙄.... ف كمان طنشي!

استمعي لدقة قلبك كأم..لأن فطرتك (الطبيعية) لا المتكلفة، دليل لسماع رغباته وفهم حاجاته..

* "ابتدأ الآن جهادك الحقيقي، استمتعي" جملة قالتها لي أختي الجميلة الكبيرة عندما كلّمتني بعد ولادتي... كانت مليئة بحنيّتها المعهودة، لن أقول قول الناس بأن ليالي النوم والراحة ولت! وهي كذلك بالفعل.. لكن أقول بأن النفس أصبحت في جهاد جديد في الحياة، وحديثنا اليوم عن الرضاعة الطبيعية هو من أبرز أحداث المرحلة، والتي كان المجتمع بغالبه يسير بعكس التيار الذي كنت أسير فيه، لدرجة ما ذكرته بأن تعلق عليك إحداهن في الطريق فقط لأنها اعتقدت أنها طفلتك الأولى ولن تفهمي أو تعرفي أو أو... حقيقة لا يهمني كلامك!

لكن في الحقيقة، إن الله فطر الأم على تحمل هذا التعب، بل لأكون صادقة، على تحمل هذه اللذة، وأتسائل إن كان الفطام للطفل أم لأمه عنه؟! إنها لذة لو أراد أحدهم أن يأخذها أو يتقاسمها معها لرفضت وبشدة!

* كل أم لها عرينها الخاص، وهي لبؤة فلا داعي أن تجربي الاقتراب من خطوطها حتى لا تستأسد عليك.. ~ معلومة على الهامش

* لا تتشاطري.. كما قلت أن الرضاعة الطبيعية قرار شخصي، فهي أيضاً تدعمها الظروف، وأهم شيء (توفيق الله لك) ليس شطارتك وحسب، فإذا وجدت أم تستخدم الحليب الصناعي لسبب أو آخر فهذا شأنها بظروفها، والقصص حول هذا الأمر كثيرة، لكن علينا أن نحاول بشتى الطرق، فإن لم تكن فالبدائل متاحة حينها..

* الأطباء؟! لا تسمعي كلامهم كأنه منزّل، ثقفي نفسك وابني معرفتك الخاصة عن المرحلة قبل أن تكون، واستعدي بكل الطرق والأساليب، لأن الأطباء هم أول من يخونوك بقلة اطلاعهم وتوقف علمهم عند نقطة ما، وسماعك لكلامهم بالمطلق سيكون سببا لتوقفك أنت وظلم طفلك معك..

أولى طبيبات الأطفال التي قمت بزيارتها بعد ولادتي بأيام، تعامل مراجعيها كأنهم في سوق الجمعة، رغم أنها رئيسة قسم الأطفال!!.. وأنني كجاهلة أتيتها كما يقولون "من خلف البقر"، ولم تكلف نفسها عناء سماعي نظراً لجهلي بسبب أنها طفلتي الأولى، من المؤكد أننا كلنا نتعلم لكن تقليل الشأن للمراجعين ليس من العلمية في شيء! بينما حيث أرخت أذنها وسمعت كلامي اختلف كل شيء ووجدت أن من أمامها لديها معرفة علمية وتسأل عن أمور جوهرية لا وساوس أمهات وحسب!

* من الأشياء التي ساعدتني ودعمت قراري -خاصة- أني وعائلتي من داعمي الرضاعة الطبيعية بالمطلق ونرفض الحليب الصناعي بالمطلق، أيضاً قراءتي الكثيرة عن الموضوع وتداعياته، وحضوري لمجموعة من ورش العمل حول الرضاعة الطبيعية والتي كانت في بداية شهر آب.. تعرفت خلالها على تخصص جديد معتمد يُدرس كدبلوم تحت مسمى (اختصاص الرضاعة الطبيعية)، أولى الذين تعرفت عليهم الأستاذة الجميلة ثريا العوا في المستشفى الاستشاري والتي تحدثت باستفاضة عن الأمر وتفاصيله، وشكراً لها لأنها دعمت معرفتي وأن الثقافة هي مفتاح الحل بيد الأم.. في هذه المرحلة كنت حاملاً بطفلتي، أتعرف على ما ينتظرني..

قد تتسائلين ما أهمية هذا التخصص؟!

من واقع تجربتي، فإن هذا التخصص هو كحلقة وصل بين الأطباء المختصين في النسائية والأطفال.. فالطبيبة النسائية لا يصل علمها (بواقعنا-حسب تجربتي) فيما يتعلق بالطفل وكيفية التعامل معه وقد تضعك ضمن قالب بقية النساء أو المعايير التي تسير المستشفى عليها ويضيع رأسك بين كل ذلك فتذهب منك لحظة احتضان طفلك الأولى وغيرها لأسبابهم هم لا أسبابك أنت!

طبيب الأطفال تبدأ أفكاره من لحظة ولادة طفلك وحين تذهبين لرؤية طفلك يكون الطاقم كاملاً قد أقرّ عنك أنك لن تستطيعي إرضاع طفلك أو حمله أو غير ذلك، رغم أن العلم يُقر أيضاً بأن هذا الطفل الذي ولد للتو وقطع حبله السري (المغذي) قادر على انتظار أمه لمدة ٤ ساعات .. لكن المستشفيات تختار الأسهل بأن تعطي طفلك جرعة الحليب الصناعي فتذهبين وتجدين كل الأطفال يغرقون في نوم عميق، متخمين بجرعة ٣٠ مل وقد تكون أكثر من الحليب الصناعي في حين أن معدته البريئة تتسع ٧-١٠ مل فقط!

هذه اللحظة لا أنساها ولن، ولن أسامح الممرضة التي "بهدلت" أماً أخبرتها بهذه الحقائق ولم تكلف نفسها عناء البحث في چوچل عن صحة المعلومات واتهمت غيرها بالجهل في حين أنها تقبع في صندوق الجهل والكِبر...

كما أيضاً تعرفت على الأخصائية الرائعة فاتن تميم في ورشة عمل قام بها المستشفى التخصصي، وقد كان ذلك في المرحلة العملية أي بعد ولادتي، والتي ساعدتني جدا وربطت على قلبي الأمومي أكثر وأكثر، ولا أستطيع نسيان فضلها علي..

* حِس الأم مرهف جدا، لا تستطيع سماع الكثير من الكلام والتعليقات، ليس لضعف فيها، وإنما لأن الأمر بات متعلقا بشخص آخر، هذا الشخص الذي ليس له حول ولا قوة بعد، أمه هي ملاذه الوحيد.. والكل من حولها يريد إثبات نفسه وتجاربه ومقارناته عليه.. فتشعر أنها وحدها تحمل به بين من ينهش به لكنه ينهش بها، قصدوا ذلك أم لا...

كنت أتسائل في كل مرة أسمع لكلام لا يعجبني: ما بال نسوة مجتمعنا؟! ألم تمر فلانة وعلانة بذات الظرف؟ لماذا يكررون ما مروا به على غيرهم؟ هل حقاً لا عدو للمرأة سوى المرأة؟!

ويبقى السؤال معلقاً؛ لماذا هذا الضغط والتوجه نحو رضاعة الحليب الصناعي؟ برغم توفر سبل الرضاعة الطبيعية؟ ما الذي يضايق المجتمع ويجعله يعتبر الحلول البديلة هي الأصيلة؟ هل هي المادية التي ذكرناها في البداية والعملية التسويقية التي تضخ الأفكار للمستشفيات والأطبة ويحصلون على حوافز لقاء ذلك أم سذاجة الأمهات التي تختار الأسهل بقرارها؟ أم أن الأمومة باتت تحصيل حاصل تحت مسمى العَلف، وهي بالتالي تعتني لا تربي!

لكن شكراً.. تعلمي .. هذه فترة وستمر، عليك أن تخرجي منها أقوى، وليقل من شاء ما شاء، فنتائج ما تسعين له، وحدك من يعلم به، ووحدك من يتعب في تحقيقه!

* الرضاعة الطبيعية هي علاقتك بطفلك، هي الصعاب التي ستواجهونها معاً وتتخطونها معاً،،

هي ضمن سلسلة العلاقة التي توضع على المحك بينك وبينه، فتتكشف لك نفسكِ، وتتعرفين بها منذ اللحظة الأولى على شخصية الطفل الصغير الذي تحملينه بيدك الواحدة وقد أغمض عينيه للتو ووضع ابتسامته على ثغره جانباً...

* قليلة وحدي كثيرة بمن كانوا وما زالوا حولي... لأسماء أخرى لم تذكر ولها عظيم الأثر ومنها (أمي حفظها الله، زوجي بارك الله لي به) جزاكم جميعاً عني خير الجزاء..

...

هذه النقاط السريعة أكتبها على عجالة... لتجربة ثمانية أشهر من عمر طفلتي الجميلة حفظها الله والمستمرة إن شاء الله حتى يشاء، يسرني جدا أن أكون ممن ينشر الوعي في هذا الأمر.. وأن أساعد من حولي في تخطي هذه المرحلة وأكون الجانب الإيجابي فيها.. فمن أرادت مني العون ستجدني بجانبها بكل ما أعرفه وخبرته ⁦❤️⁩.

عزيزتي الأم..

مهما كانت ظروفك.. أياً كان خيارك وقرارك..

أنت عظيمة وجميلة.. وطفلك ينتظر منك الكثير، الرضاعة إحداها..

لا تدعي شيئاً يعكر صفو أمومتك..

استمتعي