أحبها.. لكنها مهنة متعبة
لم يكن يخطر ببالي وأنا ألتحق بكلية الإعلام بشغف أن ما ينتظرني أصعب من النهوض باكرًا وحضور المحاضرات، أو التأخر عن الدروس الموجهة الإلزامية، أو حتى طريق العودة الممل إلى الإقامة الجامعية بظروفها المعيشية المزرية.
كلها أمور أصبحت في نظري سهلة جدًا بعد ولوجي مهنة الإعلام أو مهنة المتاعب مثلما يسميها الجميع. العمل بها متعب ومنهك يستنزف الطاقة. لكن القيام بعمل تحبه يمكن أن يخفف عليك كل هذا، فمقابلة الناس ونقل انشغالاتهم يجعلني أعايش قصصًا كثيرة، بعضها محزن والآخر غريب ومفرح في آن واحد. كلها مشاعر نقلتها بقلمي وأنا أثبت وجودي في كبرى المؤسسات الإعلامية التي تنتهج سياسة إعلامية صارمة لا تقبل نشر أي موضوع ما لم يكن ذا قيمة.
الأمومة والإعلام
يزداد الأمر صعوبة بعد أن أصبحت أمًّا ووجب عليّ التوفيق بين أمومتي ومهنتي التي أعشقها. كان الأمر صعبًا للغاية في البداية، مواعيد غير مضبوطة، وواجبات مهملة، وتقارير لم تسلم في وقتها. أما المناسبات العائلية فقد ألغيت أمرها تمامًا وحل محلها الاجتماعات العائلية المصغّرة لأن الأمور خرجت عن السيطرة ويجب ضبطها، كل هذه الأشياء وغيرها لم ترتب لغاية الآن لأني ببساطة أصبحت أمًّا صحفية.
زيادة المسؤوليات أرهقتني كثيرًا، وحضوري الدائم في مقر العمل أنهكني أكثر. لم أقو على الاستمرار ففي كثير من الأحيان أفكر في الاستقالة، لكن شغفي وإصراري على تحقيق حلمي يدفعني إلى مواصلة الدرب.
العقبات كثيرة والمطبات أكبر، مسؤول متعجرف، رئيس تحرير غير مبالٍ، مجتمع غارقٌ في كثير من المشاكل وهو حال أغلب دول العالم الثالث، كل هذا وأمومتي التي تنتظرني خلف الباب مع كل مساء أعود فيه إلى البيت منهكة ولا رغبة لي إلا بالأكل والنوم .
الشغف والمسؤولية
مسؤوليتنا كثيرة ومرهقة والشغف للعمل كبير. الوقوع بين هذين المتغيرين صعب لكنه ليس مستحيلًا. عملت منذ أن أصبحت أمًّا أن أوفق بينهما. قد تميل الكفة أحيانًا إلى أحدهما لكني أتدارك نفسي دائمًا فأتخلى عن وظيفتي كصحفية عندما أدخل البيت، فيتحول الوقت كله للعائلة وأنزع ثوب الأمومة عند باب المكتب لأن أي تداخل بينهما سيقلل حتمًا من مسؤوليتي تجاه الآخر.
كبر الصغير وازداد معه الشغف وتحقيق الحلم، لم أستطع التخلي عنهما. حاولت الوصول إلى الهدف بخطى صغيري الثابتة التي كنت في كل مرة أستمد منه إصراره على المشي لأكمل المشوار ويا له من مشوار!!
دائمًا أخفف على نفسي ثقل مسؤولياتي بتذكر كلام أمي عند تقصيري حيال أي واجب من واجباتي "مارسي أمومتك فهي مرحلة لن تعود مجددًا سيكبر صغيرك يومًا ما. اتبعي خطواته حتى ولو كنتِ بقمة التعب، تتعبين اليوم وترتاحين غدًا".
كلامها يزيدني مسؤولية ويعطيني شغفًا أكبر لرعاية الصغير ومتابعة حلمي وسط زحام الحياة.
في الختام
صحيح أن الأمر متعب ومرهق فالشغف هو الذي يبقينا مستمرين على الرغم من التعب والانتكاسات وحتى الانتقادات التي تطال من هنا وهناك دون النظر لما نعانيه من أجل الوصول، الشغف أقوى كثيرًا فنتغلب به على حماس يمكن له أن ينطفئ في لحظة تعب أو إخفاق. الشغف يجعلنا نتوهج على الرغم من الفشل والصعوبات وهو يجعل من يرى نتائج أعمالك أو يسمعك تتحدث عن أفكارك التي تجسدت، يؤمن بك ويصفق لك على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتك. فالشغف يعطيك الأمل، والأمل يبقيك مستمرًا على الدوام.
تحدث دائمًا، ومرارًا وتكرارًا عن شغفك وآمن بنفسك، فالحياة طريقها صعب وشاق، والوصول إلى الهدف سيمحي مرارة الفشل وصعوبة الطريق.