رسام فاشل

في شبابي كنت أنوي إخبار أبي أن تصرفاته معي كانت مزعجة، وكنت أود أن أقول له بأن كلماته جارحة أغلب الأحيان، فمن غير المنطق أن يكون الإنسان صريحًا بهذا الشكل الجارح. أتذكر كلامه بالحرف الواحد "بني أنت لا تصلح أن تكون رسامًا جادًا فأنت مثلي ترسم الوجوه على حقيقتها!!". لم آخذ كلامه على محمل الجد أو اليقين، وكنت أقول لنفسي إن أبي شخص قديم الطراز ولا يعرف شيئًا عن الحياة حاليًا، فهو كبير وآراء الكبار محصورة في ماضيهم!

مضت الأيام، وصرت أرسم أجمل اللوحات. كنت أتقن كل الرسوم أرسم الأطفال ببراءتهم الجميلة، وأرسم العصافير والأشجار والأنهار. وذات يوم جاءني مسؤول كبير معروف بالفساد، والبطلان، وسرقة أموال الناس والعباد. أمرني أن أرسم وجهه بوقار! فقلت لنفسي "هذا سهل فأنا رسام، والرسام من السهل عليه أن يرسم ويجمل صور الناس ليفرحوا بها".

أتممت الرسمة على أكمل وجه وكنت أتفنن في رسمهِ بأدق تفاصيله، لم أكن أنوي غشه أو التلاعب بملامحهِ. أقنعت نفسي أنني سأغتني من رسمتي تلك، فالمسؤول الفاسد (يبعزق) أمواله أموال شعبه بلا ضمير). وعندما استلم اللوحة، أخبرني أنني رسام فاشل ومتبجح وغير محترم!

أشار إلى أحد حراسه لأخذي بعيدًا وأثناء الطريق أخبرني أحدهم أني تفننت في رسم أبغض وأبشع صورة لسيادته. أودعت في السجن وها أنا ذا أذكر كلام والدي ونصحه بأني أرسم الوجوه على حقيقتها. أما أنتم، فأي شخصية تريدون مني رسمها فقط أخبروني، فقد قررت أن أعيش في السجن مدى الحياة!