مسلسل "جن": الحرية الشخصية في مواجهة المجتمع

كان أسبوع الثاني من حزيران فرصة ذهبية لطرح سؤال الحريات الافتراضية في المجتمع الأردني من جديد عبر ما حدث لمسلسل منصة الأفلام العالمية نتفلكس "جن"، إذ حدث غضب شعبي عارم يذكرنا بوضوح بحفلة "مشروع ليلى" الملغى في 2017 ومهرجان "قلق" في 2018 والذي كان يفترض إقامتهما في الأردن.

في مقابل الغضب الشعبي العارم الذي حدا بلجنة الثقافة في مجلس النواب للاجتماع على عجل ليتبرأ تقريبًا كل من ظهر اسمه في المسلسل أو كان له علاقة به منه، وباستثناء دعم خجول من الهيئة الملكية للأفلام، كانت هناك أصوات ليبرالية أقل ما توصف به أنها أقل مما سبق، فهناك أصوات ليبرالية معروفة اختارت موقفًا أقرب للرفض منه للتأييد.

الحجج

ارتكزت حجج الداعمين للمسلسل على 3 حجج:

  1. أولها أنه لا بد من حرية أكبر للإبداع؛ لأن الإبداع يتعلق أكثر بالخيال ومن الخطأ حصر عمل إبداعي في إطار اجتماعي.
  2. الحجة الثانية هي أن ما أثار غضب المجتمع موجود، وأن سياسة دفن الرأس في الرمال لن تجدي.
  3. أما الحجة الثالثة فهي أنه ليس فرضًا على المبدع أن يعكس واقع المجتمع.

أما حجج الرافضين له فكانت كالتالي:

  1. المسلسل لا يعكس واقع السواد الأعظم من المجتمع و يبدو كجهد لا طائل منه.
  2. الحجة الثانية كانت أن ما عرض لا يتناسب مع قيم المجتمع المحافظ في الأردن، كما أنه لا يعكس الصورة الصحيحة عن المجتمع.

ساد جو من التشنج من الطرفين، وهذا أدى بشكل لا يمكن تجاهله إلى غياب الحوار، وهنا ينبغي الإشارة لعدم وجود أي منصة إلكترونية أو تلفزيونية قادرة على طرح هذه المواضيع للنقاش.

لكن الغضب الشعبي العارم يطرح سؤالًا إشكاليًا مفاده هو: "ماذا لو كان أغلب المجتمع رافضًا لمنظومة الأخلاق الفردية بالشكل الذي يتم ترويجه؟ ما هو الطريق الصحيح للتعامل في هذه الحالة؟".

هزيمة الحقوق الفردية

يتعامى دعاة الحقوق الفردية عن حقيقة هزيمتهم الساحقة في المواجهات المفصلية مع المجتمع، ويراهنون على الزمن والتقدم البطيء للحقوق الفردية. فما لم يكن مسموحًا منذ زمن ليس ببعيد أصبح وجوده اعتياديًا، وهذا يخلق جوًا من التوتر و التباعد بين المجتمع بكتلته الكبرى ودعاة الحقوق الفردية.

المجتمع الصامت لا زال يثق بالحكومة التي يكرهها أكثر بكثير من دعاة الحقوق الفردية، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال فشل أغلب دعوات التجمعات. ما زالت القوى المحافظة أقدر بشكل لا يقارن على تجييش الناس من دعاة الحقوق الفردية، وعدم احترام المجتمع بمنظومته الأخلاقية يخلق سوء التفاهم الحاصل. 

سوف تستمر الفجوة بالاتساع، والمجتمع الذي كان صامتًا أصبح قادرًا على خلق سردية مكافئة لدعاة الحريات الفردية المستقاة بالكامل من النظرة الغربية للمجتمع. إن غياب التنظير الحقيقي للحريات الفردية ضمن إطار يتضمن خصوصية المجتمع سوف يدفع الكثير لخلق سرديات أخرى تزيد من حالة التشرذم للقوى المدنية. 

لذا ينبغي على دعاة الحقوق الفردية العودة قليلًا للأصول التي تبني أفكارهم ومراجعتها قليلًا للوصول لصيغة أكثر قبولًا من المجتمع، لأن طريقة الصدام الحالية سوف تدمر المجتمع أكثر.