وسائل وأدعية لجلب الذرية الصالحة

إن من نعم الله التي يمن بها على بعض عباده أن يهبه الذرية الصالحة فتقر عينه بهم في دنياه ويكونون له عقبًا وخلفًا حسنًا بعد مماته، فهي زينة الحياة كما أخبر عنها -الله عز وجل.

وفي هذا السياق، نجد الكثير من الصالحين ومحبي الصلاح يبحثون وينقبون في الكتب والمآثر وبين خطب المنابر عن وسائل يتوسلون بها ويتبعونها كي يحظوا بالذرية الصالحة والخلف الحسن.

سأتطرق في هذا المقال إلى عدة مسالك نص عليها القرآن وأشارت إليها السنة تخص كل الأزواج الذين يريدون هبة صلاح الذرية، ثم أضيف نقاطًا أشار إليها علم النفس التربوي لتحسين سلوكات الأبناء والمساعدة في ضبط أفعالهم.

الذرية الصالحة في القرآن والسنة

تناول القرآن موضوع الذرية الصالحة في كثير من آياته وخلد قصص بعض الأنبياء في طلبهم الذرية الصالحة من الله، فدل ذلك على عظم شأنها ومكانتها في حياة الفرد.

لكن ماذا اشترط الشرع في من يطلب هذه الهبة؟

1- التقوى

لكي ينعم الله عليك بهذه الهبة المباركة، لا بد من أن تصلح ما بينك وبين الله أولًا وتجتهد على التقرب منه، والابتعاد عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن، وتحسن من سريرتك قبل علانيتك.

فهذا الفضيل بن عياض يقول: (إني لأعلم شؤم ذنبي في خلق دابتي وأهلي).

فإذا أذنب الذنب الصغير يرى حال زوجه أو ولده قد تغير فيعيد نظره في ذلك الذنب ويستغفر منه، فيحسن حالهم ويستقيم.

وكما قيل في الحديث المرفوع عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس وإن أسخط الناس)، وأول الناس هم الأهل والأقارب.

2- إطابة المطعم

من شروط كسب الذرية الصالحة أن تطيب مطعمك وتتنزه عن أكل الحرام حتى ولو لُقَمة واحدة، فبذلك يجعل الله ولدك بذرة صالحة تزهر في استقامة وصلاح. وكما وصلنا من مآثر السنة النبوية أن إطابة المطعم والتكسب الحلال من أسباب الدعوة المستجابة التي لا تخطئ.

وبالمثال يتضح المقال، ولن نجد أفضل من هذه القصة ليتضح بها ذلك:

روي أن الإمام والمحدث وفقيه الشافعية في عصره أبو محمد الجويني أحب من الله أن يعطيه خلفًا صالحًا، فاشترى جارية من حر ماله توسم فيها العبادة والتقى، ثم اشترط عليها أن لا تدخل جوفها مذاقًا من خارج رزقهم -لأنه يعلم حلية ما يكسب ويريد نطفة حسنة من حلال تنعقد في رحمها- فقالت له أنت وذاك.

وبعد فترة حبلت بأبي المعالي عبد الملك الجويني، فأمرها أخرى أن لا يرضع إلا من ثديها ففهمت وقالت له كما تحب.

لكن في أحد الأيام حين عاد أبو محمد إلى بيته قالت له إن عبد الملك كان يبكي كثيرًا ولم يدر حليبها وكانت معها جارتها فرحمت الصبي وألقمته ثديها.

فهرع إليه وقلبه ثم وضع أصبعه في حلقه وهو يُسَوِّي بطنه حتى قاء كل ما في جوفه.

توالت السنين بعد تلك الحادثة وأصبح هذا الطفل شيخ الإسلام وإمام الحرمين في وقته ولا يمكن لأحد أن يناظره ولا يقارعه في شتى العلوم والفنون، حتى أن أبا حامد الغزالي حجة الإسلام كان من تلامذته.

لكنه أحيانًا كان يتلجلج في الجواب لثوان ثم يستحضر ويتابع، فيخبرهم أن هذه السكتة من أثر تلك الرضعة التي رضعها.

يبين لنا هذا الموقف عظم أكل الحرام وإن قل وأثره على أبنائنا وأهلنا، فلينتبه من هذا كل من أراد من الله أن يرزقه ذرية صالحة ينعم بهم ويكونون له ذخرًا في سماء الصلاح.

3- حسن اختيار الزوجة والزوج

وهذا من واجب كل شخص أن يتخير الشريك الصالح قبل الزواج، كي يرعى بذلك حق الأبناء في الاقتداء بمن هو على طريق مستقيم، ويقوم على تربيتهم وتقويم سلوكهم.

ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على: "الظفر بذات الدين".

فإذا كان منبت الزوجة طاهرًا ومن بيت عبادة وتقى فإن تلك البذور التي ستغرس ستكون دررا صالحة من معدن حسن، تتقي الله وتخشاه وتتبع سبيل الصالحين.

ثم إنها لو كانت ذات دين فإن الإنسان يأمنها على ولده وعلى أمانته وحفظ سره وعرضه، وبها يقتدي الأبناء ويستمدون خلقها واستقامتها، فتكون روحًا تبعث الطهارة والصدق في أهل بيتها، والأمر نفسه بالنسبة لاختيار المرأة لزوجها.

4- الاهتمام بالذرية

وأول ذلك أن تجعل من نفسك قدوة لهم في كل صفات الخير وأفعاله، وأن تكون تقيًا طاهرًا مستعفًا، لا مراءاة لهم بل حبًا في التقى والصلاح وفعل الخير لأنهم سيتبعونك في ما تفعله صدقًا لا خداعًا، وسيجعل الله البركة تسري فيهم من حيث لا تدري.

لكن الاهتمام بهم من حيث التربية والتعليم وترسيخ الصفات الحسنة أمر مفروغ منه. فيجب أن يسهر الشخص على تعليمهم وتأطيرهم دينيًا وعلميًا وأن لا تشغله ظروف عمله وتحصيل رزقه عن الاهتمام بتعليمهم والقيام بواجب توجيههم في كل يوم وليلة، فهذا الذي سيجعلك تتعرف على طريقة تفكيرهم واستخدامها في ما ينفعهم ويصلحهم.

نصائح من علم النفس لتربية الأبناء

1- دعهم يجربون

يجب أن تربي أبناءك على أن تكون لهم نقاط ارتكاز خاصة بهم عبر تجربة الخطأ والصواب، لا أن تكون أنت المتدخل في شؤونهم كلها ولا تتاح لهم فرصة التجربة.

وضعُ الثقة في الأبناء كي يخوضوا التجارب بأنفسهم وتشجيعهم على ذلك، والوقوف معهم حين يتلقون عواقب وتبِعات تلك التجارب، كل ذلك يخلق منهم أشخاصًا أسوياء ناضجين يحملون هم المسؤولية التي أوكلتها إليهم ويقدرون مساحة الحرية التي أعطيتها لهم بثقتك فيهم.

لكن ينبغي أن يتم الأمر تحت إشرافك غير المباشر كونك ولي أمرهم والمراقب عليهم، كما يجب أن تصحح مسارهم إذا احتاجوا إلى ذلك وتنبههم إلى سلوك الطريق التي ترى فيها مصلحة لهم.

2- اجعل المنزل فضاء معرفيًّا

حبّب إليهم القراءة والعلم عن طريق خلق جو معرفي في المنزل، وإقامة مسابقات بينهم في ما يخص تحصيل معلومات معينة أو قراءة كتاب ومراجعته واستخراج الأفكار المفيدة منه.

وهذا الأمر يحيلنا إلى أهمية إنشاء مكتبة في المنزل كي تقربهم من القراءة والمعرفة وتحبب إليهم الدراسة وتكون مخالطتهم للكتاب هي الأغلب. هذا الفعل كفيل بإحالتهم إلى أشخاص واعين بأهمية التعلم وبضرورته، كما سيهذب نفوسهم وسلوكهم.

3- حثهم على فعل الخير

من واجباتك كولي أمر أن تحث أطفالك على فعل الخير والإقدام على العمل الصالح والمبادرة فيه.

كأن تشجعهم على الصدقة والتبرع ومساعدة الآخرين. كل ذلك سيجعل منهم أشخاصًا يهتمون بمجتمعهم وينتمون إليه ويشعرون بواجبهم تجاهه.

وإذا قدر الله أن تأخر الإنجاب ولم تحظ بمولود فهذه أدعية من القرآن دعا بها أصحابها بعد أن استنفدوا كل الأسباب وظنوا أن الأمر أصبح مستحيلًا ثم أنجبوا ذرية صالحة بعد ذلك.

لكن شرط الاستقامة والتقى والعبادة، فذلك مدعاة لاستجابة الدعاء عند قرع أبواب السماء.

أدعية من القرآن لإنجاب الذرية الصالحة

1- دعاء زكريا عليه السلام 

 (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ). آل عمران-38.

2 - دعاء إبراهيم الخليل

 (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ). الصافات-100.

3- دعاء آخر لزكريا

(رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ). الأنبياء-89.

4- لزوم الاستغفار

لقول الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً). نوح 10-12.

ورغم كل تلك الأسباب والأخذ بها، تبقى الأرزاق بيد الله يعطيها من يشاء من عباده. فليتوجه إليه بالطلب والدعاء من يريد عقبًا ونسلًا صالحًا، وأن يعول المرء على صدق الباطن وصفاء النية عند الدعاء بالولد الصالح فسيعطيه الله مطلبه من فضله وواسع نعمه.