تخميسات على أزمة كورونا
العمى وكورونا
قرأتُ في ما مَضى رواية عِنوانها "العمى" للكاتب البُرتغالي "جوزيه سارماغو" تُلخَّصُ أحداثُها حولَ وباء غامضٍ يَجتاحُ على حين فجأة اِحدى المُدن حيثُ يُعاني المُصاب من عمى أبيض يَعجَز الأطبّاء عَن تشخيصهِ وليسَ هذا فقط بل كانَ مِنْ أوائلِ المُصابينَ بهِ طبيب عيون، اجتاحتْ المَدينة مع الوباء حالةَ ذُعر وخوف مَصحوبة بالفوضى مما اِستدعى تَدخُل الجيش لِعزلِ المُصابين قبلَ أنْ يَنال الوَباء من بَقيةِ المُواطِنين نتيجةَ أنانيتهم، يَبدأُ بعدَها السُكّان بِمحاولةِ التأقلُم مع المَرض والتكاتُفِ للعيشِ بِقانون جَديد يَحكُمهُ العُميان.
بصر وبصيرة
النُقطة المِفصَليّة في الرواية هي تَسليط الضوء عَلى العَمى الفكريّ حينَ قالتْ اِحدى الشخصيّات في نهاية الرواية: "لا أعتقدُ أنَّنا عمينا بل أعتقد أنَّنا عميان يَرونَ بشراً عُميان يستطيعونَ أن يَروا لكنَّهم لا يَرون" وقالتْ أيضًا: "الأكثر رعبًا مِن العمى، هو أن تكون الوحيد الذي يرى". كانت هذهِ الشخصيّة تُمثل بشكل رمزيّ الجانبَ الواعي في الرواية الذي يَرى المَشهد الحقيقيّ بِبصيرة فقدها غالبيّة السُكّان. الوِلادَةُ مِنْ رَحِمِ الرُّؤيَةِ الضَّبابيَّةِ للأحداث لَن تُنجِبَ إلا استِهتَارًا وفوضَى وعَدمُ مَسؤوليَّة وفي بَعضِ الأَحيَان إِعاقَةً فكريَّةً تُتعبُ أَصِحّاءَ العُقول.
المساواة في زمن الكورونا
تَحتَ ظلِّ المُساواة الَّتي فَرَضها فَيروسُ كورونا عَلى البشَريّة في عَدمِ التمييز بينَ الغنيِّ والفَقير، القويِّ والضَّعيف، رَبِّ الأُسرة والأعزَب وعَدم مُراعاتِهِ لِعاداتِ "الفَزعة" وتقاليد "النشميّ" لَن تَفلحَ سياسَةُ حَصرِ المُصابين إذا خَرجنا كُلَّ يوم مِنْ حَربِ تَجمُّعات هَدفُها إِشباع الأمعَاء الخاوية وَصُنع بُطولاتٍ زائِفة. يَا رعاكَ الله إِنَّ الحجر الصِّحّيّ والعَزل المَنزلِيّ لَيسَ عِلاجًا إِنَّمَا هو إِجراءٌ احتِرازيّ لِلحدِّ مِن زيادَةِ عَددِ الإِصاباتِ بِالفَيرُوس والقُدرة عَلى استيعابِها لِحين العُثور عَلى عِلاج لِهذا الوبَاء أو نِهايتِه، وبِناءً عَلَيه فإنَّ الأَمر يَحتاج إلى نَفسٍ اقتِصاديّ طَويل مَع تَعاون الفَرد والسُّلطَة، ثُمَّ من جعَل بَيتَه مُستَودَعًا لِلأغذيَة خَوفًا مِنْ الجُوع لا يَرَى أَبعَدَ مِن مَعِدَتِه ولم يُدركْ بَعد حَجم الأَزمة المُقبِلَة عَليها بِلادنا فِي الأَيّام القادِمة حَيث سَيكُون شِعارُها "لا تُعطني خُبزًا بَل ارفَع مِن مَعنَويّاتي".
بين هراء التحليل وفرد يحمي مجتمعاً
الحَذَر، التَّوعية واتباعُ التَّعليمات في الأَيام القادِمة أَهمّ مِن تَحليلِ سَبب انتِشَار المَرَض وهل أَصابنا نَتيجةَ مُؤامَرَة صهيوامرِيكيَّة لِأنَّنا شَعبُ الله المُختار أَو أنَّنا ضحَايا حِساباتٍ اقتصادِيَّة بينَ أمريكا والصّين، مَا أَعنيه أَنَّ تَأجيل تَحليلاتكَ السّياسيَّة ونَظرَتكَ لِخسائِر ما بَعدَ الأزمة إلى وَقت الرِثاء هو الأمرُ الأَصوَب في هَذِه المَرحلة. ولِلمرَّة الأُولى سيُواجهُ الشَّعب اختبارًا بِدُون واسِطَة ولا مَحسوبيّة وبِدون"أَنتَ مش عارف حالك مع مين بتحكي؟!" وذلِك لِأنَّ كورونا لن يُراعي اسمَّ عشيرتكَ وحسبك ونَسبك، لِأولِ مَرَّة سَتوزع مهامَّ إِدارة الأَزمة عَلى جَميع أَفرادِ الشَّعب دُونَ استِثنَاء والَّتي سَتُثبت مع نِهايَتِها أنَّ نَجاةَ الفَردِ تَعني نَجاةَ المُجتَمَع، كُن عَلى يَقين أنَّ حِماية نَفسِك لَن تُجنُّبك الإِصابَة بالفَيروس فقط وإِنَّما ستَحمي بِلادَنا مِن خسائِر لا تُحمَدُ عُقبَاهَا، وَتَذَكر دائِمًا أنَّك في مواجِهةٍ مع شيء غير عاقِل أَي تخيَّل أَنَّك في صَددِ التعامُل مع شَخصٍ مَجنون لن يُثبتَ جنونَهُ غَيرَ تَعقلك.