كيف تنقذنا الحكايات؟

لو أننا نملك ذاكرة قصيرة الأمد ليوم واحد فقط، عندها سيستيقظ الإنسان في اليوم التالي يبحث عن نفسه، من هو؟ أين يعيش؟ من عائلته؟ سينسى الشخص رفيقه الذي شرب معه القهوة ليلة البارحة، مثلما قد نسأل: هل يستطيع الإنسان أن يعيش بلا ذاكرة؟ مثلما نسأل: هل يستطيع الغصن أن ينمو بلا جذع؟ وهل تستطيع الورقة أن تنمو بلا غصن؟ إنها تمامًا مثل شجرة العائلة.

بداية الحكاية وحكايا الأجداد

بدأت الحكايات تُروى منذ فترة طويلة، وحتى لا تندثر فقد جُمعت في كتب، وتنوعت لقصص شعبية تعود إلى ثقافات متنوعة، ترمز إلى هويّة شعوب دون أن تشير إلى شخص واحد بالذات، كحكايات الأمثال الشعبية، الحكاية التي مهدّت لهذا المَثَل أن يرى النور، لتتناقله الألسنة على مر العصور.

ذاكرة الأجداد التي كانت تبهرنا في كل ليلة بحكاية ما، ثم تولد في الليلة التالية حكاية جديدة، كأن حكايا الأجداد لا تنتهي، ذاكرة الأجداد المليئة بالحكايات والمغامرات عن تفاصيل حياتهم وحياة من كانوا معهم في وقت ما، لننام على حكاياتهم الشيّقة، ونستيقظ على حكاياتنا نحن.

 لنبدأ بكتابة قصتنا الخاصّة، جيلًا بعد جيل حتى تتكون سلسلة من الحكايات الممتدة إلينا الآن، ونحن بدورنا نحمل هذه القصص إلى الجيل الذي يلينا، هكذا تولد قصص الشعوب وقصص الأجداد، وتنمو شجرة العائلة كما ينبغي لها أن تكون.

القصة التي لا يمكن قياسها على الحياة الواقعية، ربما لا نعرف من أين أصلها؟ سواء أكانت أسطورة أم مثلًا شعبيًا، حكمة أو خرافة، قصص الجنيات أو قصة ليلى والذئب، السندباد، كليلة ودمنة، أو علي بابا والأربعين حرامي.

منظور الأدب في الحكايات

من وظائف الأدب أن يكتب قصص الشعوب، اللغة منحت لكل شعب حكاية وهويّة تناقلتها الأجيال، يقول الكاتب إيتالو كالفينو: "سمة القصة الشرقية؛ تحكي شهرزاد قصة يحكي فيها شخص ما قصة، وهذه الأخيرة يحكي فيها شخص آخر قصة، وهكذا".

الحكايات متغيرة، لأنها تمنح لكل شيء لسانًا يتحدث به، حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا، لتتكون له حكايته الخاصة.

يقول مو يان الحاصل على جائزة نوبل في الأدب:

"أنا أكتب قصصي الخاصة بطريقتي الخاصة، وطريقتي هي طريقة حكواتي السوق المألوفة لي، وطريقة جدي وجدتي والقرويين القدامى في قص الحكايات".

ماذا قال الكتّاب عن الحكايات؟

قالت أليف شفق: "كنتُ أكتبُ لأني وحيدة، كانت حياتي مملة، الحياة في عالم الحكايات والخيال ملونة وجميلة".

كما قالت رضوى عاشور: "الحكايات التي تنتهي، لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى".

أما أورهان باموق، فيقول: "الأدب هو موهبة أن نحكي حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخصّ آخرين، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصّة".

وكتب محمود درويش: "أنا للطريق، هُناك من سبقت خُطاه خُطايّ، من أملى رؤاه على رؤاي، هناك من نثر الكلام على سجيته ليدخل في الحكاية أو يضيء لمن سيأتي بعده أثرًا غنائيًا وحدسًا".

السرد الذي أنقذ شهرزاد وخدع شهريار

في ألف ليلة وليلة، كلما كانت شهرزاد تقصُّ على الملك شهريار، كانت تحافظ على حياتها كل ليلة، بينما يحقق السرد غايته في الحكاية تتوقف شهرزاد في اللحظة المناسبة فتقبض على الزمن، مما يؤثر على شهريار ليتشوق لمعرفة ما سيحصل فيما بعد.

 هكذا نروي حكاياتنا اليوم، وهكذا سيروون حكاياتهم بعدنا، لنتذكر من شرِب معنا القهوة في الليلة الماضية، ولنرسم شجرة العائلة باللغة والحروف، فشجرة اللغة لا تذبل وتبقى مورقة.