الخوف.. زائر الأمس وكل حين

من منّا لم يحتلّ الخوف مساحة من تفاصيل عمره وروحه؟ لعلّ الخوف زائرٌ خفي بطبعه، متقلّب الألوان والأشكال، لا يترك صغيرًا ولا كبيرًا، وباختلاف طبيعتنا البشرية يكون وقعه علينا، هل نحن نصنعه بدواخلنا أم محاطٌ بنا؟ هل لدينا القدرة على السيطرة عليه أم هو المسيطر والمحرك؟

الخوف هاجس مجبول من مجهول متوقع أو غير متوقع، آنيٌ أو دائم، قائمٌ على تهديد بخطرٍ ما. ووقعه يؤثر على صحتنا النفسية والسلوكية، ولربّما هو (انفعال فطري). إذًا، الخوف هو نتاج ألمٍ من توقع البشر، وأقصر طريق لهذا الألم هو الكره؛ فنحن نكره ما نخاف.

ممَّ نخاف ولِمَ نخاف؟

بناءً على حتمية اختلافنا كبشر سنجد ألف وجه للخوف، لو تمكنّا من الغوص في أعماقنا قليلاً، هل تذكر ذلك الوحش أيًا كان اسمه في جيلك؟ كان ذلك الخوف الأول وما زلنا نمارس التخويف على الأطفال لِحَدّ إشباعهم بالخوف غير المنطقي.

لربّما تجرعنا الخوف بشكل من الأشكال في كل مراحل التربية، وجرعة أخرى مجتمعية والبيئة المحيطة، ولا يَسَعُنا العدّ، ولابد من ذكر بعض المخاوف؛ الخوف من أن نكون على طبيعتنا، فنتجمّل دائمًا بالمثالية لنحافظ على صورة معيّنة في عيون البشر، الخوف المتبادل بين الآباء والأبناء، كلٍّ منهما على الآخر، الخوف من المرض والكبر في العمر، وكلاهما حتمي ضمن الأقدار، لكننا نتكوّر بمخاوفنا، الخوف من القادم وفضح مستور ما مضى، الخوف من انتهاء السعادة، الخوف من الفقر وعلى الغنى، الخوف ضمن دائرة العمل على الكرسي و الثبات عليه، والاحتفاظ به، الخوف من رئيسك، حتى تصل أعلى مسؤول في هذه المعمورة، الخوف على الرزق بكل مواضعه، نخاف من الفقد و الوحدة، نخاف على مواقعنا بقلوبهم، نخاف أن نتجرّع ألمًا أضافيًّا في مواسم هذه الحياة.

نخاف الحقيقة أحيانًا، لاقتناعنا بأننا لربّما نخسر بهذه الشفافية أحدهم، ولربما بقول الحق لأنك ستدفع الثمن حتمًا، ربما يصل بنا إلى الذلّ في بعض الأحيان. أَجِدُ أنّ بعض مواطن الخوف ضرورية كالخوف من الله، مع أنّ حبه أجمل. الخوف من الفشل، في هذه الحالة، يحقّق توازنًا نفسيًّا وواقعيًا، ويكون دافعًا لإتقان ما تخشى الإخفاق فيه. إنْ كانت مخاوفنا مبررةً أَمْ لا، فلا أحد يعرف كمية الخوف بدواخلنا غيرنا.

ماذا لو صارحت نفسك بمخاوفك؟

    ليس من الشجاعة ألّا تخاف، بل أَنْ تعرف تمامًا كيف تتصرف مع خوفك، أنْ تتقن خوفك؛ مِمَّ ولماذا؟ الإجابة الواضحة والحقيقة ستصل بك إلى برّ الأمان دائمًا. لكل منا فلسفته بهذه الحياة، سنَجِدُ معطياتٍ مختلفةً للخوف، وفي النهاية أثره على فعلنا ورد فعلنا كسلوك وأثر نفسي، وهذا ما ينعكس على طباعنا وتعاملاتنا المختلفة مع الأمور.

    لا أحد ينكر وجود الخوف، وها أنا أُمارسه في كتابة هذا المقال، أخاف من ألا يكون ناضجاً بما يكفي القارئ!

    طقوس الخوف

    تسرُّب شعور الخوف لدواخلنا، وإدمان التفكير بأبعاده ومسبباته، يؤول بنا إلى مربع الإرهاق النفسي، وعنوان حلقة للسهر والأرق، كم نحتاج لقوة لنستيقظ بعد ليلةٍ عتمتُها تُستمدُّ من خوف؟ وكيف تكمل يوماً أو أياماً ويعتليك شحوب مخاوفك؟ كم نحتاج من القوة لنتجاوزه؟ وهل تجاوُزُنا مؤقَّتٌ، أم سنقتلع جذور الخوف؟ هل من الممكن أن يتجدّد الخوف في لحظة تعيد نفسها؟ في كل مرة نخاف فيها يترك فينا نَدبة إمّا أن تبقى أو نسعى جاهدين لتضميدها، مخاوف الطفولة تركت ما تركت فينا، فهل ذلك الكائن موجود؟

    هل شعرت أنّ بعض مخاوفك كان لا بأس لو أنّك لم تشعر بها أصلًا؟ بعد مضيّ الوقت وبمراجعة ترتيب الأقدار، كان لابد أن نحاول فهم أبعادها لكي لا تتحكم بنا وبمجريات أحداث قصتنا، لئلا تكون رتيبة على الأقل، وألا تكون مكبلًا سجين مخاوفك.

    تبديد الخوف

    زائرٌ كالخوف ثقيل الظلّ، يوجب علينا ضيافةً خاصّة، سيطرق بابك بأي حين، ليس لغرض الاستئذان، بل ليوقظك من الحالة التي أنتَ فيها، ولابد من مقابلة الزائر و مواجهته، و أشهر العلاجات النفسية هي (التعرض) أي مواجهة مخاوفك بكل ما فيك بكل أداوتك وحتى بخيالك، سيسكنك الهدوء في أحد مواقف عندما تتخيل أسوأ ما يمكن حدوثه، وتتأكد بعدها أنّ الحياة لن تنتهي، ما دُمتَ مُسَلَّحًا بالأمان والإيمان.

    الأمان يتجسد بقصة نبينا مُحمّد (صلى الله عليه وسلّم) عندما جاء مرتجفًا خائفًا لسيدتنا خديجة، كانت ملاذًا حقيقيًا، احتوت ضعفه وحرصت على ثقته بنفسه وبشرته، كل الوجود ليس له قيمة إن لم تجد أحدًا تستند عليه بضعفك، رغم تشوهك يراك كاملًا، يَثِقُ بك حينما تهتز ثقتك بنفسك، مصدر الأمان شخص مُقرّبٌ حقيقيّ، فَلْتحافظ على وجوده في حياتك.

    الإيمان قواعد العقيدة، وليس بغريب أنْ تكون ذات أهمية وجودية فهي تحمل سبيل الخلاص من مخاوفك. اليقين التامّ، والثقة بحكمة الباري ومجريات أحداث الأقدار، خيرها وشرها سيجعلك تشعر بالرضا والراحة، وأنّ السند الحقيقي هو الباري ولن يتركك، فقط تشبّث بحبال الوصل إليه، فبُوصَلَة التغيير و التعامل مع الخوف تعتمد علينا احترامًا لوجودنا.

    "تعلّمتُ أنّ الشجاعة ليست غيابَ الخوف، ولكن القدرة على التغلب عليه،" نيسلون مانديلا.