ديونٌ لا تستردُ

هناكَ العديد من الديون في الحياة لا تسترد حتى وإن حاولنا، فقد نجد أنفسنا لم نقدم مقابل ما اقترضناه من دين أو كما أخذناه لأن الديون أشكالها كثيرة. قد يقول البعض، ولكن ما هذه الديون التي لا تسترد؟؟!! أمسكْ أصابعكَ لنعد ديونًا لو قضينا العمرَ نعمل لردها لن نوفيها حقها.

وبالوالدين إحسانًا

وما أدراكَ مَا الوالدان! دينٌ كبير ومقام الرد في وجودهما قليل. فكيف نردُ دين من حملت وهنًا على وهن تسعة أشهر دون تذمر. نأخذ منها ونحن داخلها، ونستنزف جهدها وراحتها ونحن خارجها. نعم إنها الأم وهل يستطيع أحد منا أن يوفيها حقها مفتاح الجنة؟

أمَا من اشتغلَ ونحن نيام وكدَّ وجدَّ وتحمل قسوة العالم الخارجي بدلًا منا، فلا يمكن لأي منا أن يرد جميله. هو منهكٌ في آخر النهار عزاؤه الوحيد أنا أتعب كي ترتاحوا، وأنا أعمل كي تتنعموا. لا أريد شيئًا منكم إلا "ولدًا صالحًا يَدعو لهُ “.

جهدهما كبير ودينهما ثقيل، ولو عملنا نهارًا وليلًا، لن نوفي أحدهما ولو مثقال ذرة.

دين الأخوة

أما دينك الثاني، فمن قال في ذكره الله عز وجل "نشدد عضدك بأخيك"، سواءً أكان  أخًا أم أختًا إلا أن الأخيرة ستكون حنانًا من الأم. سترى فيها قطعة من أمك في ملامحها في حنانها وعطفها فدينها كبير. هي أختٌ، ثم خالةٌ، ثم عمةٌ وأمٌ حنون في غيابها. على ماذا ستكافئها أم هل تستطيع أن توفيها حقها؟!

أما حامل اسم العائلة وصائنُ عرضها فديونه أكبر. لن تخاف من لها أخٌ يشد من أزرها ويتفقد حالها، وحتى وإن ضيمت فستنطلق قائلة: "أنا أخت رجال"، وسينطق أخوك منجدًا، تقول هي عندها: "أنا لست لوحدي أملك عزوة وأخًا يشد به الظهر".

فَهل تستطيع أن ترد دينهمَا؟

لا نستطيع أن توفي دين أحد منهم فكل منهما دينه أكبر وان جلست عمرك توفيه فلا يمكن ذلك. شيء فقط يمكن أن يخفف جزءًا منه وهو أن لا تنسى أمًا ربت وتعبت، ولا تغفل عن أخت حنتْ وعطفتْ ، ولا على عضيد لو اتّكأ وتعبَ فلن ينكسر .

كلهم منَا وفينَا، حتى وإن تأخرنَا بالسداد. 

وفي الجهة الأخرى يوجد من اقترضنَا منهم لحظةَ فرح، ودعوة بظهر الغيب، ومساعدة دون جميل. هؤلاء لا هم أقرباء ولا أحباب، منهم صديقٌ وقت الحاجة، أو أخٌ أو أخت لم تلدهمَا أمك، أو جار كَريم.

كلها لاَ تسترد، بل يكفي فقط بعد الاقتراض ألا ننكر الجميل.

بالنهاية

أرأيت هذه الديون كلها؟ ستقضي العمر كله بأصبعكَ تعدُ من له دينٌ عليك في هذه الحياة، لن تستطيع حصرهم لأنهم كثير ومن دون من ذكرتُ فهناك من توددَ لنا في لحظة ضعف، ومن جبر بخاطرنا وقت الانكسار، ومن أهدانا ابتسامة في لحظة حزن، ومن احتوانا وكان سندًا عندما قست علينا الحياة. كل هؤلاء قد يكونون أقرباء أو زملاء أو حتى عابري سبيل في حياتنا، تذكر دينهم ولا تتأخر في رد بعضه كلمّا أُتيحت لك الفُرصة.

فالمثل يقول "خَير النَاس عدّه أو رُدّه".