صفحة في دفتر يومياتها

اليوم أيضًا استيقظتُ بعد الموعد المعتاد بنصف ساعة. نهضتُ من الفراش على مهل، وكِدت أذهب إلى غرفة سلمى، مجددًا، لأتأكد من أنها استيقظت لتستعد للذهاب إلى المدرسة، قبل أن أتذكر أنّها الآن في أمستردام لإكمال دراستها الجامعية.

أعددت الشاي لي ولرفيق الشاي والحياة مازن، وسكبته في الإبريق الحافظ للحرارة. عادتي التي بدأت منذ خمسة عشر عامًا عندما كان الأولاد صغارًا، ينهار عالمهم بمجرد أن أسكب الشاي لنفسي في الكوب، ويعود كما كان، يحيي العظام وهي رميم، بمجرد أن يبرد الشاي. أفكّر الآن، ربّما كان هذا تمرّدي في اللاوعي على محمود درويش، الذي أحمّله كثيرًا من المسؤولية في ظاهرة الربط بين الثقافة والقهوة، وكأنّني أقول له: والشاي أيضًا، لا يُشرب على عجل.

شربنا الشاي ثم قام كل منا إلى عمله. في طريقي إلى مشروعي الجديد رنّ هاتفي. إنّها أمّي. تسألني إن كان عليها أن تنتظرني لنفطر معًا. أخبرتها أنّني في الطريق إلى المشروع وأنّني قد لا أستطيع زيارتها اليوم. ودّعتني وأنهت المكالمة.

وصلت المشروع وتابعت التطورات فيه. أنجزت بعض المهمّات المكتبية، ثم وصلني تنبيه على الهاتف من سلمى، تريد التحدث معي عن مشكلتها مع جارتها العجوز الهولندية الفظّة. كانت المشكلة كبيرة هذه المرة وتحدثنا لساعة ونصف. بعدما أنهيت حديثي معها قمت لأتفقد سير العمل، وغضبت عندما رأيت تباطؤ العمال واستهتارهم وكدت أصرف مشرفهم، أبو ياسر باشا، لكنّني تمالكت أعصابي وقلت في نفسي: الصبر، هانت. حملت حقيبتي، وخيبتي، وطموحي، وغادرت المكان.

في الطريق تذكرت صوت أمّي. ما زلت غير قادرة، بعد كل هذا العمر، على رد أي طلب لها ولو تنازلت هي عنه. اكتشفت وقتَ أردت تحويل مساري إلى بيت والديّ أنّني فعلًا أسير في اتجاه بيتهم. ابتسمت. باغتتني دمعة.

في صفحة السماء.. أكتب وأقرأ

عدتُ إلى المنزل بعد انتهاء الزيارة. أنهيت مزيدًا من الأعمال المنزلية والمكتبية، ثم جلست في الشرفة أنظر إلى السماء كأنّي أستنطقها. النظر إلى النجوم كالنظر إلى الماضي. بعض هذه النجمات ماتت قبل التاريخ. ما الذي شهدَته قبل أن تولد الأرض وما عليها؟ أذكر أنّني دوّنت هذه الفكرة في دفتر يومياتي قبل عشرين سنة. بعض الأشياء لا تفقد قدرتها على الإدهاش، لمن كان في قلبه حياة.

ملاحظة(١): إياك والعمل مع أبو ياسر بعد اليوم!

ملاحظة (٢): ضَعُف الكاهل وثَقُل الطموح، ولكن غدًا يوم جديد.

الصبر، هانت.