سأدقُ على الأبواب!
هنا أبواب القدس العتيقة، أحد عشر بابًا للبلدة القديمة تروي تاريخًا طويلًا، كانت فيه "زهرة المدائن" مطمعًا للغزاة والمحتلين؛ فكان من الضروري إحاطتها بـ"سور" أصبح من أبرز معالم المدينة، وتميز بالاكتمال حتى وقتنا الحالي، وكأنه ظل مكتملًا ليقرئنا شواهد التاريخ على أبوابه ونسمع من خلاله أصوات الحضارات المتعاقبة عليه.
بُني سور القدس في العهد الكنعاني، لكنه كثيرًا ما تعرض للتدمير على يد الجيوش الغازية. وفي عام 1226 أمر الملك عيسى الأيوبي بتدمير السور؛ خوفًا من أن تتقوى الجيوش الصليبية به إذا ما احتلوا المدينة، وظل السور على هذا الحال إلى أن جاء السلطان سليمان القانوني -وهو السلطان العثماني- الذي أمر بإعادة بناء السور بشكله الحالي، ليحيط بمقدسات المدينة من: (الصخرة المشرفة، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة..)، واستمر الإعمار لمدة خمس سنوات (1536-1540). وحتى أواسط القرن التاسع عشر كانت أبواب هذا السور تفتح مع الفجر وتغلق عند غروب الشمس، ولكن مع زيادة أعداد السكان داخل أسوار البلدة القديمة وبدء الناس في بناء منازلهم خارجه، بقيت الأبواب مفتوحة – وكان ذلك حوالي سنة 1858 ميلادية، وبمرور الوقت أغلقت بعض هذه الأبواب بشكل تام لأسباب أمنية بينما ظل البعض الآخر مفتوحًا حتى وقتنا الحالي، والآن لنذهب في جولة وندق سويًا على أبواب بهيّة المساكن لنتعرف عليها.
أولًا: أبواب القدس المفتوحة
يضم السور سبعة أبواب ظلت مفتوحة وهي:
- باب العامود: هو من أجمل أبواب السور وأكثرها فخامة وثراء من الناحية المعمارية والزخرفية، ويقع في الجدار الشمالي لسور البلدة القديمة، وسُمي بباب العامود نسبة إلى عمود كان موجود في الفترة الرومانية.
- باب الساهرة: يقع أيضًا في الجانب الشمالي، وهو باب صغير متواضع، لكنه غني بالزخرفة الحجرية، وعلى الأغلب فُتح هذا الباب في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، والساهرة تعني المكان الفسيح.
- باب الأسباط: يشبه باب الساهرة في الشكل ويقع في الحائط الشرقي، وتدل تسميته باسم باب الأسباط على تسامح المسلمين حيث جاءت التسمية تقديرًا لأبناء سيدنا يعقوب عليه السلام الاثني عشر، الذين جاء ذكرهم في القرآن.
- باب المغاربة: وهو أصغر الأبواب، ويقع في الحائط الجنوبي لسور القدس، وعرف بهذا الاسم لقربه من حارة كانت من أشهر حارات المدينة وهي حارة المغاربة والتي سميت بهذا الاسم نسبة لساكنيه من المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب) الذين أقاموا به منذ العهد الأيوبي، لكن دمرت قوات الاحتلال الصهيونية مباني الحارة وهجرت السكان بعد عام 1967.
- باب النبي داود: يقع في الجنوب أيضًا، وهو باب كبير يؤدي إلى ساحة داخل السور، وسمي بهذا الاسم كونه كان ولا يزال يوصل إلى مقام النبي داوود.
- باب الخليل: يقوم في جدار السور الغربي للمدينة، وكان من الأبواب المركزية في أسوار المدينة، سُمي باب الخليل نسبة إلى خليل الله إبراهيم.
- الباب الجديد: يقع من ناحية الشمال الغربي، وهو حديث العهد حيث يعود افتتاحه إلى عهد السلطان عبد الحميد، واشتهر باسم الباب الجديد لحداثته.
ثانيًا: أبواب القدس المغلقة
وهناك أربعة أبواب أخرى مسدودة وكأنها سدت لتحمي الحرم الشريف الملاصق للسور الجنوبي خوفًامن الغزاة، وجميع هذه الأبواب مشتركة بين المسجد الأقصى والمدينة معًا، وهي كالآتي:
باب الرحمة: يقع في الحائط الشرقي جنوب باب الأسباط، ويتميز بجماله ورونقه، لذا أطلق عليه أيضًا (الباب الذهبي).
والأبواب الثلاثة المغلقة الأخرى تقع في الحائط الجنوبي بالقرب من الناحية الشرقية وتؤدي إلى داخل الحرم مباشرة، كما كانت تطل على دار الخلافة والقصور الأموية الموجودة قديمًا، وهذه الأبواب هي:
- الباب الواحد أو المفرد: ويعلوه قوس واحد.
- الباب المزدوج: مؤلفٌ من بابين يعلو كلًا منهما سور.
- باب المثلث أو الثلاثي: وهو عبارة عن ثلاثة أبواب يعلو كل منها قوس.
وتشير الأدلة إلى أن بناء هذه الأبواب الأربعة المغلقة يعود إلى العهد الأموي في الوقت الذي بدأ فيه الخليفة عبد الملك بن مروان بناء المسجد الأقصى بناءً كاملًا، وكذلك إنشاؤه مسجد قبة الصخرة.
ها هي شواهد التاريخ نقرأ بعضًا منها على أعتاب مدينة الصلاة لتكشف لنا جزء من الحكاية، فما عُثر عليه من آثار لأبواب قديمة تحت باب العامود، يدل على أن تحت الأبواب الحالية أبوابًا أخرى قديمة ترجع إلى عهود سابقة، فأبواب مدينة الصلاة لم تبُح لنا بكل أسرار الحكاية حتى الآن!
المصادر:
- عارف العارف، تاريخ القدس، دار المعارف، مصر -الطبعة الثانية 1994.
- عرفة عبده علي، القدس العتيقة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر 2007.
- القدس، معالم البلدة القديمة، مؤسسة القدس الدولية، نسخة إلكترونية.
- أبواب القدس "الماضي والحاضر"، مشروع دعم الشباب في مدينة القدس، نسخة إلكترونية.