محتوى المؤثرين: بيئة خصبة للمعلومات المغلوطة والمضللة
جهاز هاتف أو كاميرا وحساب على إحدى منصات وسائل التواصل العديدة، سواء أكانت يوتيوب أم تيك توك أم فيسبوك أم إنستغرام وغيرها، ومن ثم قدرتك على تقديم محتوى يجذب الجمهور سيئًا كان أم جيدًا، يخولك تشكيل قاعدة جماهيرية مهما كانت ضئيلة، وهكذا أصبح بالإمكان أن تطلق على نفسك لقب "مؤثر" أو "إنفلونسر".
إلا أن الأعداد الهائلة من الأشخاص الذين غدوا أو يأملون بأن يغدوا مؤثرين يومًا، ليسوا جميعًا على قدر من الوعي، أو من المسؤولية التي تمكنهم من أن يضعوا المتابعين ومصالحهم الفضلى نفسيًّا أو صحيًّا أو اجتماعيًّا نصب أعينهم. بل يسعى معظمهم نحو الكسب السريع، بأي وسيلة كانت.
لذلك يغدو التحقق من المعلومات التي يطرحونها عبئًا أو معيقًا لتقدمهم، فالمعلومات المغلوطة والمضللة قد تكون بطاقتهم نحو الانتشار السريع، أو أنهم يفعلون ما يفعلون من منطلق نقص الوعي والمسؤولية الاجتماعية فقط.
وتعد الشريحة الأكبر من متابعي هؤلاء الانفلونسرز من المراهقين، الذين يقضون ما يقارب ثماني ساعات يوميًّا على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتابعون محتوى المؤثرين أكثر بثلاث مرات من أي فئة عمرية أخرى وغالبًا ما يكون ذلك مع غياب الرقابة من الأهالي. ويعدون الأكثر عرضة من غيرهم للتأثر إذ إنهم في مرحلة الغرس الثقافي، وبلورة مبادئهم ومفاهيمهم عن الحياة.
المراهقون هم المتلقي الأول لكل معلومة مغلوطة وكل نمط حياتي زائف أو معايير جمالية غير منطقية أو الترويج لأفكار لا أخلاقية، إذ يساهم المؤثرون من خلال المحتوى المضلل في خلق توقعات ومعايير غير واقعية على صعيد الجمال، واللياقة، والمستوى المادي والاجتماعي. قد يتسبب ما سبق بأمراض نفسية مزمنة لهم، منها الاكتئاب، والميول الانتحارية و الديسمورفيا أو ما يعرف باضطراب تشوه الجسم. كما يعمل على تغيير مفاهيمهم عن العمل الجاد نحو السعي لتحقيق أحلامهم من خلال الكسب السريع وغيرها من المفاهيم المشوهة.
فبحسب بحث أجرته مؤسسة Morning Consult؛ فلا يثق الشباب في المؤثرين فحسب، بل يريدون أن يغدوا مثلهم، حيث أبدى 86% من جيل الألفية وجيل زي الذين شملهم الاستطلاع رغبتهم في نشر المحتوى مقابل المال، و54% صرحوا بأنهم سيغدون مؤثرين إذا ما أتيحت لهم الفرصة.
لذا، لا بد من أن نعي ما هي أكثر أنواع المعلومات المغلوطة والمضللة التي يعج بها محتوى المؤثرين، لنكون أكثر قدرة على تمييزها وحماية أبنائنا منها.
1. معلومات كاذبة أو محرفة أو مجزئة ودون مصادر
كلما كان المحتوى قادرًا على إثارة الجدل واللغط، كبرت احتمالية الانتشار السريع وجذب المتابعين. لذا، يعمل بعض المؤثرين على نشر معلومات مغلوطة كليًّا، قاموا بتأليفها بهدف التأثير على الرأي العام أو دحض معلومات من مصادر موثوقة مع تحريف بعض الأدلة لدعم أقوالهم.
ومن أقرب الأمثلة عليها، سيل المعلومات التي انتشرت أثناء جائحة كورونا. فإلى جانب الوباء، ظهر ما يعرف بالوباء المعرفي أو المعلوماتي وهو كل ما رافقه من أخبار مفبركة عن أعداد الوفيات من قبل البعض أو وصفات علاجية ضارة، بالإضافة إلى الضجة التي أثيرت حول اللقاح وغيره. وبحسب منظمة الصحة العالمية اثرت المعلومات المضللة و المغلوطة سلبًا على الصحة العقلية للناس وزيادة التردد في أخذ اللقاح، و التأخر في توفير الرعاية الصحية والتي كانت عواقبها وخيمة قد تصل للوفاة.
2. شراء متابعين وهميين أو جمهور مزيف للتفاعل
المتابعون هم العملة الصعبة للمؤثرين وأساس نجاحهم من عدمه، لذا يلجاْ البعض منهم لا سيما أولئك الذين في أول الطريق، إلى شراء بعض المتابعين المزيفين. والقصد هو جذب متابعين حقيقيين من خلال بث الإحساس الكاذب بأنهم مشهورون ولأننا نتأثر بالكثرة، فاحتمالية المتابعة تغدو أكبر.
كما ينجذب المسوقون وشركات الإعلان للمؤثرين ذوي الأعداد المهولة من المتابعين، إذ يعني ذلك بأن منتجاتهم ستصل لأكبر عدد ممكن من الناس، فتنهال عليهم العروض والدعايات، هذا وجه من وجوه الغش والخداع.
إذ أثبتت دراسة أجراها موقع Statista Research Department، بأن معظم المؤثرين في إنستغرام ممن لديهم أكثر ما يقارب مليون متابع في جميع أنحاء العالم، قاموا بشراء متابعين لتضخيم تفاعلهم وأرقام متابعيهم بين عامي 2019 و2021. فبلغ متوسط نسبة المؤثرين المتورطين في الاحتيال في عام 2021، 49.23 في المئة.
3. الترويج لنمط حياة غير واقعي وغير حقيقي.
عام 2020، نشرت المؤثرة ناتاليا تايلور والتي تمتلك ما يقارب 2.2 مليون متابع على YouTube، سلسلة من الصور على إنستغرام بدت وكأنها صور لإجازة فاخرة في منتجع في بالي بإندونيسيا. ولكن الحقيقة كانت، كما أوضحت هي لاحقًا، أن هذه الصور تم التقاطها في الواقع في متجر Ikea. وأوضحت نتاليا، "هذه الصور كانت جزءًا من خدعة قمت بها لأظهر للناس أن الحياة على الإنترنت ليست دائمًا كما تبدو؛ خاصة في هذا اليوم وهذا العصر حيث من السهل جدًا التظاهر بأنك أي شخص تريد أن تكونه".
يسعى المؤثرون دومًا للترويج لنمط حياة فارهة، لجذب أولئك الذي يتمنون أن يكونوا مكانهم يومًا ما، ويحلمون بالثراء. لذا يتابعون هذه اليوميات حقيقة كانت أم زيفًا. كما يساعدهم هذا في خلق صورة نموذجية لأصحاب العلامات التجارية الذين يروجون لأنفسهم على نفس النسق، وبذلك هم يزيفون الواقع حتى يغدو الزيف واقعيًّا في المستقبل.
4. الترويج لمنتجات أو خدمات سيئة الجودة أو غير مرخصة
أصبحت حملات التسويق ذات الصلة بالمؤثرين ظاهرة تجارية تنفق عليها الشركات 4.62 مليار دولار سنويًّا، ما يعزز سعي بعض المؤثرين نحو الربح بصرف النظر إن كان المحتوى غير لائق أو له أي أثر سلبي، ويغدو التسويق لأي منتج أو خدمة مباحًا، دون الالتزام بأي معايير أخلاقية أو دون أي تجربة مسبقة للمنتج/الخدمة المعلن عنها مهما كانت العواقب أو التأثيرات سلبية على المتابعين ودون أي مسائلة قانونية.
5. فبركة الصور والتلاعب بها باستخدام برنامج أو فلتر
يعد إنستجرام من أشهر التطبيقات التي يستخدمها المؤثرون. ويكاد كل واحد منهم يستخدم الفلاتر والتطبيقات التي يتم من خلالها تعديل الملامح والهيئة ليظهروا بشكل "مثالي"، لتغدو معايير الجمال غير منطقية ولا يمكن تحقيقها.
وبما أن الغالبية العظمى من مشتركي التطبيق هم من الفتيات المراهقات، فإن المقارنة بينهم وبين ما يتابعون لابد حاصلة، مما يؤدي الى مستويات أقل من الرضا الجسدي أو يساهم في الإصابة بالديسمورفيا وهو ما يعرف باضطراب تشوّه الجسم، وهو مرض نفسي، يتسبب في عدم توقف المريض عن التفكير في واحد أو أكثر من العيوب أو النقائص التي يتصورها عن مظهره.
هذه الأفكار المهووسة والمتحكمة يمكن أن تجعلك تقضي وقتًا طويلاً في محاولة علاج أو إخفاء الخلل. لا يستطيع مرضى اضطراب التشوه الجسمي التحكم في أفكارهم السلبية ولا يصدقون الأشخاص الذين يخبرونهم أنهم في حالة جيدة.
وفي سعيهن لتحقيق الكمال الزائف، يلجأن إلى العديد من الإجراءات التجميلية في محاولة "إصلاح" العيوب التي يتصورنها عن أنفسهن. ويستمر البحث عن طُرق أخرى لإصلاح النقائص المتصورة
ولا يتحسن اضطراب تشوه الجسم عادة من تلقاء نفسه. إذا تُرِك دون علاج، فإنه قد يزداد سوءًا مع مرور الوقت؛ مما يُؤدِّي إلى القلق، والفواتير الطبية الباهظة، والاكتئاب الشديد، وحتى الأفكار والسلوك الانتحاري.
هنالك جهود حثيثة من عدد من المؤثرين أنفسهم، وبعد الجهات الرسمية ومراصد إلكترونية مثل منصة بدون فلتر، تسعى للتصدي ورصد محتوى المؤثرين/الإنفلونسرز المضلل والمغلوط، ورفع الوعي بطرق التحقق من المعلومات لدعم المحتوى الموثوق والهادف والنهوض بدور المؤثر العربي.