المرأة والعمود الاقتصادي الجديد
هناك طرفة شعبية معروفة في المجتمع الأردني والفلسطيني تتعلق بالمال، وهي أنه في حال احتاج أي شخص إليه أو تعرض لضائقة مادية فيقال له (ليس لك سوى ثوب الحجة)، ويقصد بذلك ثوب الوالدة أو الجدة، إذ إن الثوب التقليدي الأردني والفلسطيني الأسود يحتوي على جيب داخلي كبير من ناحية الصدر، وقد اعتادت الوالدات والجدات إخفاء المال والأشياء المهمة في ذلك الجيب، لذلك في حال اضطر أحدهم لطلب المال فمن المؤكد أن الجدة تحتفظ بمبالغ مالية كبيرة في جيب ثوبها، وغالبًا ما تمتلك أيضًا مجوهرات وقطع ذهبية من عقود وسلاسل وأساور ترتديها كلها، وذلك من باب الأمان والادخار وضمان المستقبل، ومن المعروف أن النساء لا يفرطن أبدًا بتلك المبالغ والقطع الذهبية سوى في حالات زواج الأبناء أو بناء المساكن.
ربما تبدو هذه الصورة وكأنها تنتمي إلى جيل مضى، لكنه في الحقيقة لا يزال متواجدًا وعلى قيد الحياة. وقد أثبت التاريخ صحة تلك العادة وفعاليتها، وهي إذا دلّت على شيء فهي تدل على تلك الفطرة النسائية القوية المتعلقة بقيمة المال والادخار والذكاء الاقتصادي، وحتى لو كانت الجدات من غير المتعلمات لكنهن بكل تأكيد تعلمن من الحياة معنى الحفاظ على الموارد المالية وأفضل الطرق لاستثمارها، وهذا يدل على قوة النساء وميلهن الفطري للاستثمار والعقلية الاقتصادية الفذّة.
المرأة.. المخطط الذكي
النساء يفكرن كثيرًا، في الحاضر والمستقبل، يخططن وينفذن، وتلك الخطط تشمل الأبناء أيضًا وحياتهم واحتياجاتهم، ومنذ فجر التاريخ وحتى قبل أن نتعرف على علوم الاقتصاد، حسبت النساء دائمًا حساب الغد وآخذن يفكرن فيه، فيقمن بتخزين الطعام واللحوم وحفظها لفترات طويلة، بالإضافة للملابس واحتياجات الأسرة، ولاحقًا قمن بحفظ المال والادخار والاستثمار عن طريق عدة وسائل وطرق حسب المتاح في كل زمان، وهذا فعليًا لم يتغير حتى اليوم.
النساء مُخطط ذكي جدًا، ويمكنهن حساب كل مشروع من كل نواحيه وتفاصيله وحساب عائداته، واليوم مع الاقتصاد الجديد فهن يثبتن أنفسهن يومًا بعد يوم ويقمن بزيادة استثماراتهن وأموالهن بشتى الطرق، مع إصرار على النجاح وتحقيق عوائد مادية كبرى.
ربة منزل، وأم، وسيدة أعمال
الثورة التكنولوجية اكتسحت عالم الاقتصاد أيضًا، ومن أكبر فوائدها هي إمكانية فعل كل شيء عن طريق كبسة زر وعن بعد، والأفضل هو من داخل المنزل، من غرف الجلوس المريحة والدافئة والمكيفة أمام الشاشات التي جلبت كل شيء لملمس اليد وبكل سهولة وأمان، وهذا يعتبر مفتاح الكنز بالنسبة للنساء في كل أنحاء العالم، فأصبح بإمكان المرأة وربة البيت والأم أن تصبح سيدة أعمال ومستثمرة، وصاحبة عقارات وأرصدة، وذلك من داخل بيتها موطن راحتها. وفي الوقت ذاته تعتبر أموال وأرصدة النساء وخصوصًا ربات البيوت بمثابة كنز حقيقي للاستثمار بالنسبة للشركات، فهن فئة مؤثرة وكبيرة العدد وتلك الاستثمارات يمكنها أن تعود بالملايين على المستثمرات أنفسهن والشركات.
المرأة والاستثمار
تمتلك المرأة كمستثمر عقلية مختلفة عن الرجل، وهذا ما قامت بإثباته الدراسات الاقتصادية الحديثة، فالنساء بطبعهن لديهن ميل للاستقرار، وذلك ما يجعلهن يستثمرن في النواحي الأكثر استقرارًا وأمانًا مع الابتعاد عن الاستثمارات والمضاربات الخطرة ولو كانت قد تعود بمبالغ كبرى، فهن يفضلن دائمًا الوضع الآمن والمؤكد التحقيق. وأثبتت الدراسات أيضًا أن المرأة تمتلك أداء اقتصاديًا أفضل وأكثر ثباتًا، وخصوصًا على مستوى الاستثمارات الفردية التي نجحت فيها النساء على نحو كبير.
الاستقرار والثبات الاقتصادي هدف المرأة الناجحة
من الضروري أن تتجه النساء اليوم للاستثمار والادخار وخوض عالم الأعمال، لأن الحياة تحتاج إلى نجاح وديناميكية أكبر، ومع الثورة التكنولوجية والاستهلاكية، فقد أصبحت الحياة تسير بأنماط سريعة تحتاج إلى موارد مالية أكبر، ومع التسهيلات والوسائل المتاحة للنساء فإن هذه هي الفرصة الذهبية لهن للازدهار وتنمية أموالهن والاستفادة منها على أفضل نحو، مما يضمن لهن ولأولادهن مستقبلًا أفضل وأكثر استقرارًا، فالمال ينمو مع نمو الأبناء ومع مرور الزمن إذا تم استخدامه على أكمل وجه.
من الأمور المهمة أيضًا شعور المرأة بذاتها وتميزها ونجاحها المادي، لأن هذا يحقق لها قدرًا كبيرًا من الرضى والاستقلالية والتحكم في حياتها الخاصة، فإذا قامت السيدة أو الآنسة سواء أكانت موظفة أم ربة منزل باستثمار أموالها أو ادخارها، أو شراء العقارات أو تنميتها بأية طريقة من الطرق، فستشعر بقوة أكبر وثقة بالنفس تعتمد عليها في حياتها المستقبلية وتوفر لها جميع احتياجاتها دون الاعتماد الكامل على الزوج أو الأب أو الأخ، بل سيصبح بإمكانها مساعدة زوجها أو أفراد أسرتها في حال التعرض لأية صعوبات مادية، فتجد المرأة نفسها محمية وواقفة على أرضية مادية ثابتة تمكنها من المضي في حياتها على نحو أسهل وأضمن.
المرأة كإحدى الأعمدة الاقتصادية الحديثة
أثبتت النساء أنهن رائدات المشاريع الصغيرة في أنحاء العالم وقد ساهمن بتنمية المجتمعات على نحو كبير، فهن أفضل من يفتتح المشاريع المتعلقة بالطعام ورياض الأطفال وتجارة السلع النسائية والكثير من الأعمال والتجارة في شتى المجالات ويديرها، حتى لم يعد أي شيء فعليًا حكرًا على الرجال. واليوم توسع الاقتصاد ليشمل ربات البيوت والموظفات والآنسات وأي امرأة أو صبية تريد أن تستثمر وتدخر وتحافظ على أموالها للمستقبل. إنه عصر جديد انضمت فيه المرأة إلى عالم الاقتصاد كإحدى الأعمدة المهمة والتي ستؤثر بقوة على الاقتصاد العالمي المتغير دائمًا وأبدًا، ويمكننا أن نقول اليوم بكل ثقة أن المستقبل للنساء.