لماذا لا نكبر عن حب الآنمي؟

لماذا لا نكبر عن حب تلك الصور الملونة؟ لماذا لا يتلاشى بريق اللهفة في أعيننا والشغف تجاهها؟

عندما كنا صغارًا كنا ننظر إلى عمر العشرين على أنه الفئة العمرية التي سنتخلى فيها عن مشاهدة هذه الرسومات، وسنصبحُ كبارًا فجأة، سنشاهد ما يشاهده الأشخاص الكبار في عمر العشرين، وها نحن الآن من هؤلاء الكبار الذين لا زالوا متشبثين بأفلامهم الكرتونية، نترقبها بشغف، نبحث عنها، ونخبر الآخرين عن فحواها باهتمام!

صحيح تمامًا، فلست أتحدث عن كل أنواع الآنمي، فليس كل ما يُعرض يستحقُّ المشاهدة، وليست كل الأفكار عظيمة، وبذات القيمة. هكذا هي الفنون الإنسانية بطبيعة الحال.

تفاصيل منسية

كلٌ منا يحمل في روحه ذكريات ذلك الطفل الصغير، التي كنا نراها ساذجة، ربما نحن الساذجون حقًا لأننا للآن لم نجد لها تفسيرًا، ولم نحاول أن نجده. نطلق على مراحل حياتنا العمرية مسميات اتفق عليها العالم بأسره ونقحم فيها كل التصرفات، ونجعل تلك المسميات سببًا لتلك التصرفات أيضًا! دون أن نرجع إلى صناديقها السوداء التي لا زلنا نحملها معنا إلى اليوم -نحن الكبار- دون أن ندري كيف تتراكم لتشكل تجارب مختمرة، وتكون سببًا لبعض تصرفاتنا غير المفهومة والمبهمة، لو أننا فقط فتحنا تلك الصناديق، لو أننا فقط فهمنا أنفسنا، لو أننا فقط حاولنا أن نفعل ذلك!

ما علاقة هذا بأفلام الآنمي؟ العلاقة تكمن في أن بعض هذه الأفلام اتخذت من أصغر التفاصيل في حياة الإنسان سببًا وجيهًا يقوم عليه الفيلم، كالثرثرة، والصمت، وذكريات الأطفال قبل عمر الخمس سنوات، والتنمر الذي يحصل في المدارس، والحب الذي يباغت طلاب الثانوية لأشخاص غير متوقعين كالمعلمين مثلًا! وقوة الصداقة، وعنفوان الشاب، والطموحات الصغيرة التي تتحقق وتصبح شيئًا عظيمًا، ألا نحمل بداخلنا كل هذه التفاصيل، ألم تُدفن إحداها عنوةً داخل طفلٍ لم يكبر بعد، وفي صدر مراهق سيصل إلى مرحلة الرشد؟ ألم تدفن لأن الأحلام لا تتحقق دائمًا؟

فسحة من الخيال

يظلُّ الخيال حبيسًا في أذهاننا حتى يجيء الفن ويفصح عنه للعالم، هؤلاء الأشخاص الخياليون الذين لا يستطيعون ملامسة الأرض دائمًا، ولا يملكون عقولهم فلا تنفك إلا وتطير في الآفاق. بعض الصور لا يُعبّر عنها إلا بالرسم والألوان لأن هذه هي الصورة المثلى لها، أن تكون مرسومة، وملونة، ومكبرة، حتى نراها كما يشعر صاحبها الخيالي جدًا، والذي بدوره يستطيع أن يعبّر عنا، نحن المشاهدين الخياليين جدًا.

وفي ما يلي مراجعة وجيزة لبعض الأفلام التي تستحق المشاهدة تبعًا للفكرة المطروحة من خلالها:

همس القلب Whisper of the Heart

"عليكِ أن تكتشفي الجوهرة الخام بداخلك وتقضي الوقت في صقلها وتهذيبها".

هذا الفيلم ساحر بكل تفاصيله، حكاية الفتاة الكاتبة، والقارئة النهمة، تدعوها فتيات صفها بدودة الكتب لأنها كثيرًا ما تتجه إلى المكتبة وتمضي ساعات طويلة فيها، تبحث عن هدف لحياتها لأنها تكره شعور أن تكون الأيام بلا هدف، وتجد سلواها في الكتابة، لكن هل حقًا يستطيع الإنسان أن يترك كل شيء في حياته ويلقيه خلف ظهره ثم يغلق باب غرفته ويرهن نفسه للكتابة؟

هذا الصراع الأول، والعتبة الأولى لكاتب الأعمال الروائية فيجعلك هذا الفيلم تعيش مع أول إشراق يلمح فيه الإنسان جوهر الشيء الذي يتفنن فيه ويستطيع أن يقدمه للعالم طوال حياته!

عندما كانت مارني هناك When Marnie Was There

بعض الأفلام كاللوحة الفنية، لا يمكن معرفة جمالها إلا من خلال النظر إليها مباشرةً، وهكذا نجد هذا الفلم الاستثنائي، لا تفيه الكلمات حقه أبدًا!

هذه اللوحة عندما تفصح لك عن الذكريات بداخلها ستشعر بثقل الماضي التي تحمله شخصية الفيلم آنا، وسيداعبك أحيانًا أخرى، لكنها أيضًا بألوانها وبكل مشاعرها تصب في فكرة واحدة، وهي أن الأيام القاسية التي يعيشها الأطفال لا يُمكن أن تُمحى من حياتهم، ربما ستصبح حياتهم أحسن حالاً، لكن ستظل الذكرى لصيقة بهم، تارةً موحشة تركض خلفهم مثل شبح مخيف، وتارة مؤنسة كصديق حميم، وسنعرف نحن الكبار ألا نهرب من ذكرياتنا، ألا نهرب من أنفسنا، فمن يستطيع أن يحب نفسه في ليلة صيفية بصحبة ضوء القمر يستطيع أن يواجه الآخرين بروح سمحة وهذه حقًا ألطف رسالة يوصلها هذا الفيلم الجميل.

الصوت الصامت  A Silent Voice

هل يمكن أن نكون أصدقاء؟

حكاية الفتاة الصماء التي تلتحق بمدرسة ابتدائية جديدة وتتعرض للتنمر من قبل الطلاب الآخرين، تحاول التقرب من أقرانها وتطلب منهم بابتسامة دائمة "هل يمكن أن نكون أصدقاء؟" حيث تكتب هذه الجملة على دفتر للتواصل، لكن صعوبة التواصل تقف حاجزًا بينها وبينهم، وتتحول كل تلك الأيام وكل تلك المواقف القاسية إلى ذكريات، فيها مشاعر الحزن والأسف والذنوب، التي تحول بين الإنسان والحياة! تتدرج الأحداث متجهة من ظلمة الذنوب إلى نور الحب والصداقة والحياة، فلا يولد النور إلا بعد مشقة المحاولات، عليك ألا تيأس من المحاولات ما دمت على قيد الحياة.

حديقة الكلمات The Garden of Words

فلم هادئ جدًا، يناسب أصحاب الشتاء، الذين يستمتعون بصوت المطر، وعلى أنغام صوت قطراته يحكي الفيلم حكاية شابٍ يطارد حلمه في تصميم الأحذية، يترك أنشطة المدرسة ويجلس في الحديقة يرسم تصميماته، بين الشغف وبين المطر تظهر فتاة ذات شخصية غامضة، تأتي إلى ذات الحديقة تخبئ فيها بؤس الحياة التي تملكها، هذا الفيلم الذي يغلب فيه صوت المطر صوت الكلمات، يعزز فيك شغف الأحلام، وحب الانعزال إليها، وأنها لا بد يومًا أن ترى النور، وكذلك العلاقات الإنسانية، وكيف يدفع إحداها الأخرى، ويتأثر بالحزن كما يتأثر بالشغف!

لذلك لا نكبر، ولا يمكن أن نكبر عن حب الرسومات التي حملت أحلامنا بين ألوانها، إنها تعيد ذلك الطفل الصغير فينا إلى الحياة، فيها شيء من ذاتنا القديمة، لكن كما قلنا ليس كل ما يُعرض يستحق المشاهدة، فعلينا أن نتوخى الحذر في انتقائنا لهذه الأفلام، خاصة إن أحببنا أن نشارك الآخرين بها، فكل فيلم منها يحمل ثقافة جديدة ومختلفة عن ثقافتنا، وكل فيلم منها يحمل رسالته الخاصة، ويملكُ أن يؤثر فينا.