الموت قدر الكائنات الحية

لحظة الوداع

أقف وأفكاري مبعثرة، جو متوتر، لحظات حزن وخوف، تساؤلات وأفكار تخطر في ذهني، بوجه شاحب أسأل عن الوضع الصحي لأخي، إلى أن أوقف أبي هذه الأفكار والتساؤلات وقال: "كُل نفسٍ ذائِقة الموت". 

"كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت" كل كائن حي موجود على هذه الكرة الأرضية، قدره الموت.

"الموت" عبارة أدت لنزاعات كثيرة، وآراء متضاربة فيما بينها. لكن المتفق عليه أنها عبارة مؤلمة ومخيفة للأحياء، أما بالنسبة للأموات فهو النهاية، وانفصالهم عن الأرض. لطالما كنت أسمع "أتمنى الموت قبل موت أحد أقاربي" إلى أن عشت ذلك عند رحيل أخي.

أي مخلوق على هذه الأرض قدره الموت

يعلم أي مخلوق على هذه الكرة الأرضية أن الموت قدره، ولكن الشيء المخيف فعلاً هو الفراق، أو بالأحرى ألم الفراق.

أتذكر عبارة قيلت لي في عزاء أخي "الموت سترة"، في تلك اللحظات كان من الصعب تقبلها. لكن بعض لحظات من التفكير وأيام من نسج خيوط العبارة ومن تحليلها، اتضح أنها فعلاً صحيحة.

ماذا لو عاش الإنسان حياة الخلد والأبدية؟

 حتمًا ستقع الكارثة، وستمتلئ المستشفيات ودور العجزة. لو لم يكن هناك موت لن يكون لوجود الإنسان معنى، لا بعث ولا حساب، لا جنة ولا نار، لا أهداف أخروية، ولا إحساس بالمعبود ولا معنى للكنائس ولا للمساجد.

الموت من منظور الأحياء

الموت بالنسبة للأحياء شيء كريه مزعج ولا يشجع على التفكير والحديث، لكن "الموت قد يكون أفضل من الحياة" (سقراط)، ذلك أنه يقينًا هناك حياة أفضل تحفها البركة والقداسة لكنها حجبت في رحم الغيوم والظلام.

"الموت" هي نقطة المساواة بين الكل لا تعرف التمييز بين عربي ولا أعجمي، غني أو فقير، عالم أو جاهل، شاب أو شيخ. فهي تضع حدًا لأي شيء، جيدًا كان أم سيئًا، معاناة أو مسرات. هي دائمًا تأتي لتذكر الأحياء بوجودها وللعمل من أجل يوم الحساب.

الموت يريح الروح

إن الموت يريح الروح، فمثلما توجد الأشياء الجميلة، توجد الأشياء السيئة وكلٌ منهما لسبب وحكمة. رغم أنه من الصعب تقبل مشهد الفقدان الحتمي للأحباء، لكن نتقبل ذلك مع مرور الوقت لتستمر حياتنا في النهاية كأن الفقيد لم يسبق أن كان يومًا، لكن مع ذلك تبقى الروح خالدة في الوجدان.

مقدار الطمأنينة الذي تبعثه الآية

 "كل نفس ذائقة الموت"، آية تبعث الطمأنينة في القلوب فالخالق وحده هو الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، ويتفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولًا، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة، وفرغت النطفة التي قدر المعبود وجودها من صلب آدم، وانتهت البَرِيَّةُ، أقام الله القيامة، وجازى الخلائق بأعمالها، جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحدًا مثقال ذرة.