من مآسي طلاب الابتدائية خلال جائحة كورونا

عشرة دنانير و"تريحي" ولدي من التفكير. عشرة دنانير و"أطلع من خطية ابني". عشرة دنانير وكل إجابات ابني صحيحة في الواجبات وفي الامتحانات الشهرية. "هو أنا مقصرة معك؟ بدك كمان فلوس؟".

إن الحال التي وصلنا إليها أسوأ مما نظن، وأخوَف مما نخشى. لم تعد الحكاية كما كانت، هل تريد أن أخبرك عن الحكاية بالحلّة الجديدة؟

الحكاية بدأت أستوعبها أكثر عندما اتصلت بي إحدى الأمهات تريد مني أن أبقى على تواصلٍ معها على مدار أيام الأسبوع حتى أجيب على الأسئلة التي تصل من المعلمات عن طريق الواتساب، وفي أربع مواد، وبالطبع رفضت رفضًا نهائيًا، وقلتُ لها ربما أستطيع أن أشرح للطالب ما استعصى عليه فهمه ونصل للإجابة معًا، وفي الوقت المخصص للحصة وليس على مدار الساعة! فأجابتني أنني فتاة متعلمة أستطيع أن أجيب عن الأسئلة دون أي جهدٍ أبذله، وأنني لا أريد مساعدتها، وأنني غير إنسانية، وأخيرًا قالت: "بدك كمان فلوس يا خالتو؟".

بين الحب والأنانية

هناك فرق بين الحب وبين الأنانية، فطلب المثالية دائمًا دون النظر إلى الطرق التي نسلكها مع أولادنا، والعواقب التي تؤدي إليها، قد تبدو صورة من صور هذه الأنانية!

من المؤلم أن تهاتفك أم اعتادت أن ترى ولدها الأول على مدرسته وهي تسألك وفي نبرتها حزنٌ وقهر "ابني الأول على مدرسته، يأتي بمعدل متدنٍ كهذا!"

لكن علينا ألا ننسى أن هذه الجائحة لم تكن صعبة فقط على أرباب الأسر، والأشخاص البالغين العاقلين. فهؤلاء أولادنا ومن حقهم أن تظهر عليهم علامات التأثر ولو كانت سلبية، من حقهم أن يخطئوا، من الطبيعي أن يتراجع مستواهم، لكن من غير الطبيعي أن يكون الحزن بسبب العلامات والقلق حول كيفية تحصيلها، دون النظر إلى حجم الشرخ الذي أحدثته الجائحة في نفسية الطلاب، وكيفية علاجه، ومداراته!

من غير الطبيعي أبدًا أن تدفعي الأموال للمعلمين لأجل الحصول على الإجابات الصحيحة، وتنسي يا عزيزتي الأم أن الإجابة هي من حق الطالب بعد الجهد الذي أريتني إياه في الدراسة ومشقة الوصول إلى فهم كل درس وأولًا بأول.

احترام عقلية الطفل ضرورة واجبة على كل أم

الهدف الحقيقي الذي يجب أن نصل إليه في نهاية المطاف، هو فهم المنهج والكتاب المقرر للطالب. والمعلم الذي لا يقوم بهذا الواجب على أكمل وجه، ويرسل لك الإجابات للواجبات أو يحل الامتحانات عن الطلاب، هو في الواقع شخص لا يحترم المهنة الموكلة إليه، ولا يحترم عقلية طفلك، هذا وهم وخداع وزيف. عليكِ كأم أن تحمي أولادك من هذه التصرفات العفنة التي لا تلبث إلا أن تتسلل إلى أعماق أولادك، وتهدم ببطء المبادئ الصحيحة الموافقة لفطرتهم.

فما حاجة طفلك إلى أن تجعليه يدرس كل يوم ساعات طويلة وتحرميه من ألعابه، ثم يأتي هذا المعلم الذي يأخذ منك العشرة دنانير ليحل لهذا الطالب واجباته وامتحاناته؟ لماذا نضع أولادنا في هذه المفارقات؟ لماذا نضطرهم للسير عكس فطرتهم ونريهم الصور مقلوبة والمواقف والصعاب بصورة معكوسة؟ ولأجل ماذا؟ لأجل أن يحصل على معدل 99.9% ويعود لمركز الأول على المدرسة بالعشرة دنانير التي دفعتِها شهريًا لذلك المعلم الذي لا يمت بصلة لمعنى المعلم الحقيقي؟

المعلمون الجباة

لا أريد أن أسرد خطبة فيها المواعظ والحكم، وفيها النزاهة والصدق والمصداقية، لأننا نعرف هذه القيم النبيلة، فالكل يعرفها لكننا ننساها، أو نتناساها، من شدة الخوف الذي يغلّف أفئدتنا! لكن لا يجب أن ننسى أن أعظم ما يُحفر في عقول الأطفال، وما سيذكرونه في شيبهم، هي هذه المواقف الصعبة. سيقولون لأحفادهم وقت كنا في المدرسة جاء فيروس جعلنا نجلس في منازلنا، وجعلنا نمتنع عن كذا وكذا، وفرض علينا كذا وكذا، أما بقية الحكاية فأنتِ يا أمي الحبيبة من سيرسمها، ويخلدها.

فأرجوكِ أرجوكِ لا تعطي أولئك الذين يطرقون أبواب المنازل بحجة أنّ بيدهم الحلول السحرية التي ستنجي الطالب من كابوس امتحانات الأونلاين ويرتدون أثواب المعلمين -وهم في الحقيقة جُباة للأموال- هذه الفرصة، لا تدخلي هذه الفاكهة العفنة بيدك إلى حقائب أطفالك وبين كراريسهم!

أجواء الدراسة والشغف والحب وشيء من الإيجابية

بالرغم من الكلام القاسي الذي قالته تلك الأم، إلا أنه قد وقع في قلبي عندما اتصلت بها ما قالته عن أجواء الدراسة والشغف والحب الذي صنعته مع أولادها، قالت لي إنها تساعدهم في تفريغ دروس الفيديو وتشرح لهم وحدة كاملة قبل أن يبدأ بها أستاذ المدرسة، وقالت لي كيف تجلس مع الأولاد وتدرسهم، وقالت لي كم يسعدها تفوقهم، وفي نبرتها صوت الأم والمعلم، الذي يتمنى أن يكون أولاده في أحسن مكان في العالم!

هذا التيه الذي تمر به هذه الأم ليس سوى أحد الأعراض النفسية التي جلبها الفيروس معه، فأما من يستطيع النظر إليه من بعيد فلا يترددْ بتقديم التوجيه والمساعدة، فإما أن يُسمَع في رحابة صدر وإما أن يناله ما نالني من وصفٍ من عدم الإنسانية! لكن عليه ألا يكون ممن يحتوي هذه التصرفات بقبحها ويقبل "العشرة دنانير"، فمصير هؤلاء المعلمين الذين يعملون عمل "الكورسات" التي تحتوي حلول كتب المنهج أن تُعرَف نواياهم اللئيمة، ومصير الأم الحنون أن تعي ذلك حتى لو بعد حين!