التعليم الإضافي انتهاك لقانون العمل واستغلال لحاجة المعلمين!

معاناة البحث عن فرصة عمل

تخرجت من الجامعة الهاشمية في الأردن بشهادة "لغة انجليزية وآدابها"، وكنت قد قررت أن أنهي المرحلة الجامعية بثلاث سنوات كي أجد فرصة عمل جيدة أستطيع من خلالها اكتساب مهارات التعليم. وليس هذا فقط وإنما لجمع مبلغ من المال يعينني على الاستعداد للحصول على شهادة الماجستير.

وفور تخرجي صفعني المجتمع بكل ما فيه من جفاء رافضًا لطموحي الذي تجاوز سقف سمائه، فألقاني من قمة الحلم إلى أسفل الأرض حيث الواقع. علمت وقتها أنه عليّ بسف التراب كي أتنعم بالنسيم الأعلى.

قدمت للكثير من المدارس باحثةً عن فرصة عمل، وجميعها ردتني خائبة بكلمتيّ "تدريب وخبرة" اللتين لم يكونا ضمن خطتي الدراسية في الجامعة. قال الكثير منهم اعملي لدينا من غير مقابل وبعد انتهاء التدريب من المحتمل أن نقوم بتوظيفك. فكنت أرفض فورًا ليقيني التام بأن أشخاصًا استغلاليين كمثل هؤلاء لن يأتيني منهم الخير أبدًا. لم أيأس في البداية واستمررت في البحث وهكذا حتى تحسنت العروض؛ ففي إحدى المدارس التي توظف فتيات لا يملكن تحصيلًا دراسيًا كمعلمات لمادة التربية الإسلامية وغيرها مقابل دنانير معدودة، عرضت عليّ المديرة خمسين دينارًا وابتسامة واثقة تعلو محياها ظانةً بي قلة الحيلة، وبأنني سأوقع العقد شاكرة لها، فما قيمة الشهادة الجامعية لأمثالها من الماديين! وبالطبع رفضت دونما تفكير. توجهت إلى المنزل وفي نيتي حرق شهادتي الجامعية والنوم طويلًا، لربما خفّ شعوري بالضيق لما قوبلت به من الرفض واللااحترام.

العمل على حساب التعليم الإضافي

نمت طويلًا لأسابيعَ وأشهر، وفي لحظة صحوة كنت أتصفح فيها مواقع التواصل الاجتماعي قرأت جملة "وظائف معلمين للخريجين الجدد". تناول الإعلان هذه الدعوة "إذا كنت ترغب في العمل على حساب التعليم الإضافي التابع للتربية والتعليم، افتح الرابط المرفق في الأسفل واملأ النموذج". فورًا قمت بفتح الرابط وأتممت التسجيل. قضيت أيامي اللاحقة في انتظار قائمة أسماء المقبولين، وعندما نُشرت كان اسمي هناك بين مئات الأسماء الأخرى مرفقًا باسم مدرسة سيعقد فيها اختبار تنافسي. وبالفعل اتجهت في الموعد المحدد إلى المكان وقدمت الاختبار وحصلت على علامة 90/100.

لم يطل انتظاري، وفي تمام بداية الفصل الدراسيّ تواصل معي أحد الموظفين "هل أنت متفرغة للعمل على حساب الإضافي؟" جوابي كان "نعم، بالتأكيد"، متبوعًا بتنهد عميق فضّ غبار اليأس عن طموحي الفتيّ.

في يومي الأول، تسلمت مهماتي كمعلمة لغة إنجليزية تمامًا كأي معلمة أخرى. طُلب مني تحضير ملفات الطلاب وقائمة الأسماء ودفتر الحضور وأشياء أخرى. شعرت بهول المهمات إذ إنها المرة الأولى لي كمعلمة، وليس لدي فكرة عن طريقة تجهيز هذه الأشياء، وهوّنت على نفسي صعوبتها بالتفكير بأنني لست الوحيدة، وإنما جميع المعلمات سيقمن بهذا العمل. لم أكن قد استفسرت عن أي شيء فيما يخص مكانتي الوظيفية أو حتى المقابل المادي ظنًا مني بأنني سأتمتع بمكانة المعلمة الأساسية ما دمت أقوم بمثل مهامها الوظيفية. والحقيقة كانت مخالفة تمامًا لما ظننت.

بعدما رافقت بعض المعلمات الجدد من مثلي وشاركتهن جلسات القهوة الصباحية، أدركتُ بأنني لم أكن الوحيدة التي تعاني من الضيق والحاجة، وبأنه هناك من هنّ بوضعٍ أسوأ مني، أسوأ بكثير. وعن طريق محادثاتهن الشاكية اتضحت الصورة أمامي فيما يخص حقيقة عملي كمعلمة إضافي (بديلة) وما يفرضه ذلك عليّ من لا أمان وظيفي ولا استقرار.

كمعلمة إضافي لن أحصل إلا على نصف راتب المعلم الأساسي.

ليس هناك أي مانع من "تفنيشي" في أي لحظة من غير أي إنذار مسبق لعدم وجود عقد وظيفي.

ومما سمعته من المعلمات الأخريات، كمعلمة إضافي ليس لي الحق بالتدخل في أي من شؤون المدرسة إلا بما أسأل عنه أو يطلب مني.

ومن هنا فهمت لماذا يدعو الكثير من المعلمين والمعلمات البدلاء إلى مقاطعة التعليم الإضافي! ولست أقف في صفهم مطلقًا والسبب هو ما شهدته وسمعته من المعلمات فيما يخص ظروفهن الأسرية والمعيشية. فكيف تخاطر امرأة تحمل مسؤولية عائلة بفقدان هذه الوظيفة وهي على علم تام بأن العمل في قطاع التعليم الخاص يتضمن احتمالية عدم إعطائها قرشًا واحدًا من مستحقاتها! وأشير بذلك إلى العقود الجانبية التي تجبر بعض المعلمات على توقيعها.

كيف تخاطر تلك المعلمة المطلقة بالصرف على ولديها وتعليمهما بعدما تهرّب زوجها من دفع نفقتهم! والأرملة والعزباء والحامل والعليلة واليتيمة، كيف يخاطرن بخسارة هذا العمل! وكيف أخاطر أنا بالخبرة التي تخرجت من الجامعة على عجل لتحصيلها ولم أعطَ أي فرصة لإثبات استحقاقي لها!

هكذا هو حالنا كنساء من المفترض أن نُعال وليس أن نُعيل، فكيف هو حال المعلمين الذكور من مثلنا؟!

وما زلنا نتساءل عن سبب تدهورنا الاقتصادي والاجتماعي والحضاري! نعم، كيف لا ننهض ونتفوق بوجود قطاع تعليمي متميز كالذي لدينا؟! فأطباؤنا وممرضونا ومهندسونا وأبناؤنا وبناتنا نشأوا في أحضان قطاع عادل وداعم للطموح!