سكان المدن وسكان الريف: كيف يؤثر المكان الذي تعيش فيه على ما تقرؤه؟

إن المكان الذي تعيش فيه في أمريكا الشاسعة والمتنوعة له تأثير عميق ليس فقط على كيفية رؤيتك للعالم، ولكن أيضًا على ما تقرؤه. فسواء أكنت من سكان المدينة الذين يتنقلون إلى العمل في مترو الأنفاق المزدحم أم من سكان الريف الذين يستمتعون بهدوء الحقول المفتوحة، فإن بيئتك تلعب دورًا مهمًا في تشكيل ذوقك الأدبي. لا يمكن إنكار العلاقة بين البيئة والرواية، بدءًا من الروايات السريعة الإيقاع والقصص الرهيبة التي يفضلها سكان المدن، إلى حكايات الحنين إلى الطبيعة التي يحبها قراء الريف.

القرّاء الحضريون سريعو الإيقاع.. محمومون ويركزون على الحاضر

غالبًا ما يلجأ سكان المدن، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المدن الصاخبة مثل نيويورك ولوس أنجلوس، إلى الكتب التي تعكس وتيرة حياتهم السريعة. فالوقت ثمين، والمشتتات لا حصر لها، والحياة اليومية غالبًا ما تكون مرهقة. في الغالب، ينجذب القراء في المناطق الحضرية إلى الكتب التي تعكس طبيعة الحياة السريعة: كتب الإثارة، والدراما المعاصرة، والقصص الواقعية والمساعدة الذاتية والتكنولوجيا والتمويل.

ومن سمات القراء الحضريين، تفضيلهم الكتب الروائية القصيرة والموجزة: فالروايات القصيرة ذات الفصول المتلاحقة مثل رواية "فتاة القطار" والقصص الواقعية المعاصرة مثل "العادات الذرية" تلقى صدى لدى سكان المدن. تتناسب هذه الكتب بسهولة مع رحلة في مترو الأنفاق أو استراحة الغداء، وتوفر إحساسًا بالرضا والإنجاز دون الحاجة إلى ساعات من القراءة المستمرة.

عنصر مهم آخر هو التعرض للتنوع. ففي المدن، من المرجح أن يتعرف القراء فيها على ثقافات ولغات وأنماط حياة مختلفة. وهذا يوسع اهتمام القراء بالأدب العالمي والروايات متعددة الثقافات والقضايا الاجتماعية المعاصرة. فكتّاب مثل شيماماندا نغوزي أديتشي، الذين يستكشفون الهجرة والهوية، غالبًا ما يجذبون القراء الحضريين الذين اعتادوا الخوض في بوتقة الثقافات.

القراء الريفيون: بطيئون ومستقرون ومتجذرون في التقاليد

في المناطق الريفية، حيث تُعاش الحياة بوتيرة أبطأ، تعكس عادات القراءة أيضًا هذه البيئة. يميل القرّاء الريفيون إلى تفضيل الروايات الأطول والأكثر إثارة، خاصة تلك التي تتناول موضوعات الطبيعة أو الأسرة أو الموضوعات التاريخية. وغالبًا ما يعكس المشهد الطبيعي الذي يعيشون فيه الكتب التي يختارونها، فهي مليئة بالوصف التفصيلي للمنطقة، ودراسات متعمقة للشخصيات، والقصص التي تركز على المجتمع والتقاليد.

تجذب كتب مثل رواية "هانا كولتر" لـويندل بيري، ورواية لاري ماكمورتري "الحمامة الموحشة" قراء الريف لأنها تعكس تجارب شخصية للمكان والزمان. غالبًا ما تثير هذه الروايات مواضيع الاكتفاء الذاتي، والارتباط بالأرض والطبيعة الدورية للحياة. يقضي القرّاء الريفيون وقتًا أطول في الجلوس في صمت وقراءة الكتب، لذلك من المرجح أن تكون جاذبية السرد الروائي الهادئ أقوى مما هي عليه في البيئة الحضرية المحمومة.

بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يفضل القراء الريفيون الروايات التاريخية والواقعية. وسواء أكانت قصصًا عن حياة الرواد أو روايات التاريخ المحلي، فإن الأعمال التي تحافظ على التقاليد وتحترم الطريقة التي كانت عليها الأمور تحظى بتقدير كبير هنا. وقد استحوذ كتّاب مثل ويلا كاثر على قلب المزارع الأمريكي ووجدوا قراءهم في الريف الأمريكي.

مواضيع مشتركة وأساليب مختلفة

على الرغم من هذه الاختلافات، ينجذب القراء الحضريون والريفيون في الغالب إلى مواضيع عالمية مثل الحب، والفقدان، والطموح والبقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، تختلف الطرق التي يتم بها استكشاف هذه المواضيع. قد يفضل القراء الحضريون القصص ذات الإيقاع السريع والشخصيات المتحركة باستمرار، مما يعكس اندفاع الحياة الحضرية وعدم القدرة على التنبؤ بها. وعلى العكس من ذلك، قد يفضل القراء الريفيون الأعمال التي تستكشف هذه المواضيع ببطء وتأمل أكثر، حيث تلعب الأرض والمجتمع دورًا رئيسيًا في تشكيل السرد.

تُعد كتب الطموح مثالًا رئيسيًا على هذا الانقسام. ففي روايتي جاي ماكنيرني "أضواء ساطعة، مدينة كبيرة" لجاي ماكنيرني ورواية "طائر الحسون" لدونا تارت، يلعب المكان دورًا مهمًا في دوافع الشخصيات واهتماماتها. في القصص الريفية، على النقيض من ذلك، غالبًا ما يرتبط الطموح في القصص الريفية بالنمو الشخصي والإرث العائلي والبقاء في العالم الطبيعي، كما في رواية "الصيف الضال" لباربرابرا كينجزولفر ورواية "شرق عدن" لجون شتاينبك.

كيف تسد التكنولوجيا الفجوة

في السنوات الأخيرة، بدأت التكنولوجيا في طمس الخطوط الفاصلة بين عادات القراءة في المناطق الحضرية والريفية. فمع ظهور الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية والمنصات الرقمية مثل Goodreads وBookstagram، أصبح بإمكان القراء في جميع أنحاء البلاد الوصول إلى مجموعة واسعة من الأنواع والمؤلفين والأساليب أكثر من أي وقت مضى. فالقارئ في المناطق الريفية في مونتانا من المرجح أن يحصل على أكثر الكتب مبيعًا في نيويورك تايمز مثله في ذلك كمثل قارئ في وسط مانهاتن.

وعلاوة على ذلك، مكنت الكتب الصوتية القراء الريفيين الذين يقضون الكثير من الوقت في القيادة أو العمل في الهواء الطلق من الاستفادة من فرص جديدة لقراءة الكتب. وبالمثل، يمكن الآن للقراء في المناطق الحضرية الذين يقومون بمهام متعددة في نفس الوقت الاستماع إلى الكتب أثناء صخب الحياة اليومية.

الخلاصة.. إن القصص التي نختار قراءتها تعكس حياتنا

في نهاية المطاف، يلعب المكان الذي تعيش فيه دورًا مهمًا في تشكيل ما تقرؤه، لكنه ليس العامل الوحيد. فالتجربة الشخصية والفضول والوصول إلى الأدب كلها عوامل تؤثر على خياراتنا في القراءة. ومع ذلك، فإن إيقاعات الحياة الحضرية والريفية تترك بصمة لا تمحى على الأذواق الأدبية. فسواء أكنت تقلب صفحات كتاب مثير للاهتمام في مكان مزدحم أو تنغمس في رواية كلاسيكية على ضوء نار المخيم، فإن محيطك يشكل القصص التي يتردد صداها في نفسك. وفي أمريكا، حيث التباين الصارخ بين المناطق الحضرية والريفية، يمكن لعاداتنا في القراءة أن تخبرنا عن أنفسنا بقدر ما تخبرنا الكتب نفسها.

لذا، سواء أكنت تعيش في المدينة أو الريف، ألقِ نظرة على رفوف كتبك.