"أن تقرأ بأذنيك".. كيف غزت "الكتب الصوتية" صناعة النشر؟
أدوات أكثر.. وقت أقل
يعتمد الإنسان الحديث في حياته على الكثير من الآلات والاختراعات التي تسهّل حياته وتُوفّر الوقت، ويزداد اهتمامه بتطويرها واختراع المزيد منها حتى يبدو أحيانًا أنّها أصبحت هدفًا بحد ذاتها وليس أداة. ومع ذلك تراه دائم الشكوى من دوام انشغاله وندرة الوقت وعدم تمكّنه من إتمام أعماله وممارسة هواياته. النقاش طويل حول أسباب هذا الواقع المتناقض إلا أن البعض يلوم التكنولوجيا نفسها. وسواء صحّت التهمة أم لا، فإنه لا يمكننا إنكار أن التكنولوجيا قدمت للإنسان الحديث بعض الاختراعات التي جعلت حياته أسهل بل وأفضل وأجمل، مثل الكتب الصوتية.
بداية تاريخها
دفعني اهتمامي بالكتب الصوتية إلى البحث عن صاحب الفضل في تقديمها للبشرية، واكتشفت أنّها ليست اختراعًا جديدًا، فقد بدأ ظهورها ولو بشكل بدائي في نهاية القرن التاسع عشر بعد اختراع توماس إيديسون لجهاز الفونوغراف، وكان هدفها في ذلك الوقت مساعدة المكفوفين على الاطلاع على محتوى الكتب بدون مجهود، حتى أنها كانت تسمى "كتب المكفوفين". وتطورت مع زيادة الحاجة إليها وتنوعها حيث لم تعد مقصورة على المكفوفين، واستمرت بالازدهار حتى ظهرت إلى الوجود أول شركة متخصصة ببيع الكتب الصوتية للعامة عام 1952.
القراءة مقابل الاستماع
إذا استمعت إلى كتاب ما، فهل قرأته حقًا؟ هذا السؤال قديم جديد لم يُحسم الجدل فيه حتى اليوم رغم التزايد الملحوظ في الإقبال على الكتب الصوتية. ففي حين يرى البعض أن المهم هو الحصول على المعلومة وإعمال العقل بالنقد والتحليل، وهو ما يتوفّر بالكتب الصوتية والمطبوعة على حد سواء، يرى البعض الآخر أن القراءة تؤدي إلى ترسيخ محتوى الكتاب بشكل أفضل. وقد يكون السبب في استمرار الجدل اختلاف طبيعة الناس وطريقتهم في تلقي المعلومة، فمنهم البصريّ ومنهم السمعيّ. وبغض النظر عن إجابة السؤال السابق، فإن الكتب الصوتية تمثّل حلًا مثاليًا لكثير من المشاكل والمعوّقات التي تقف في وجه مطالعة الكتب نتيجة نمط الحياة العصرية المتسارع، مما يجعل الخيار محصورًا بالنسبة لكثير من الناس بين الكتب الصوتية والحياة بلا كتب.
لماذا الكتب الصوتية؟
كما ذكرنا سابقًا فإن الكتب الصوتية لم تعد مقصورة على أصحاب الإعاقة البصريّة، بل كانت سببًا في تغيير حياة الكثيرين وتسهيلها، وأصبحت الرفيق المثالي لكثير من الأشخاص، منهم:
- كثير الترحال: تتطلب كثير من الأعمال السفر المتكرر خارج البلاد، مما يعني تمضية وقت طويل في الطائرة أو القطار أو غيرها. وهنا تمنحك الكتب الصوتية فرصة القراءة بدون قراءة، أي أن تغمض عينيك لتريحها وتجعل الكتاب يقرأ لك ويصدّ عنك ضجيج المسافرين حولك.
- ضحايا أزمة السير: يقضي معظمنا ما لا يقل عن ساعتين في قيادة السيارة أو في المواصلات العامّة. ومن منّا لا يتمنّى استعادة هذه الساعات الضائعة من عمره؟ ساعة واحدة مع كتاب صوتيّ ستخفف من حنقك على الطرق والشوارع والمدن والتمدّن.
- الأمّهات: هل تعلم لماذا تتوقف كثير من الأمهات عن القراءة؟ لأنّ في اليوم أربع وعشرون ساعة فقط. وأغلب الظنّ أنها لن تجد وقتًا لهواياتها حتى لو أصبحت اثنتان وأربعون. فحتى لو تمكنت من إنهاء جميع مهام ذلك اليوم داخل المنزل وخارجه، وكانت بطريقة ما لا تزال تمتلك طاقة تمكنها من قراءة كتاب، فقد لا تستطيع التغلّب على وحش الشعور بالذنب الذي يهوى مهاجمة الأمهات وتذكيرهن بكل الأشياء التي يمكن عملها بدل الجلوس والاسترخاء. وهنا تكمن روعة الكتب الصوتية، نصيرة الأمّهات، التي تمكنهنّ من الاستماع إلى الكتب أثناء ممارسة أعمال المنزل أو قيادة السيارة أو أي من المهمّات الأخرى التي لا تطلب تركيزًا ذهنيًّا.
- محبّو التوفير: تخيّل لو كان بإمكانك أن تستعيد المبلغ الذي دفعته لقاء كل كتاب اشتريته ولم يعجبك. هذا الخيال هو حقيقة في عالم الكتب الصوتية بطريقة ما، ففي المواقع والتطبيقات الجيدة أنت تدفع مقابل مدّة اشتراك، أي مقابل وقت تقضيه في وسط مكتبة افتراضية تتمكّن فيه من تصفّح وقراءة كل كتاب تقع عليه عيناك. زد على ذلك أن المبلغ المدفوع لقاء امتلاك المكتبة الافتراضية لمدة شهر يعادل في العادة ثمن كتاب أو كتابين فقط من الكتب الورقية.
- صغير الحجم كبير الفعل: إذا كنت تمتلك العديد من الكتب واضطررت لتغيير مكان سكنك أكثر من مرة، ووقفت حائرًا بين خيارات الاحتفاظ بالكتب أو بيعها أو إعادة تدويرها، فستعرف قيمة أن تكون مكتبتك بحجم الكف تحملها معك حيثما تذهب، دون أن تضطر للتخلّي عن أي من محتوياتها.
- شريك في الغرفة: بعض الأشخاص يحبون القراءة في الفراش وقبل النوم مباشرة ولا يتمكنون من ذلك بسبب وجود من يشاركهم غرفة نومهم وينزعج من وجود ضوء في الغرفة مهما كان خافتًا. وهنا يلجأون للكتب الصوتية التي لا تحتاج لضوء ولا حتى لعيون مفتوحة.
في العالم العربي
ربما يكون العالم العربي متأخّرًا في الانضمام إلى عالم صناعة الكتب الصوتية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ظهور العديد من الشركات المختصة بتسجيل وبيع الكتب الصوتيّة العربية. ومن هذه الشركات شركة Storytel صاحبة أحد أشهر تطبيقات الكتب الصوتية العربية والإنجليزية. يتميّز هذا التطبيق بسهولة الاستخدام وهو ما يهمّني جدًا كمستخدم، فعادة ما يعتمد تقييمي للتطبيق على الدقائق الأولى لتجربته، وتجربتي مع Storytel كانت سلسة ومريحة. وحتى بعد أن بدأت باستخدامه فعلًا، ظل يفاجئني بخاصيات جديدة من نوع "أنت تحتاج هذا لكنك لا تعرف" مثل خاصية إيقاف الاستماع تلقائيًا بعد مدة معيّنة تحددها أنت، مما يجعله خيارًا ممتازًا للاستماع للكتب قبل النوم، دون أن تستيقظ في اليوم التالي وتضطر للبحث طويلًا عن النقطة التي وصلت إليها.
يوفّر تطبيق Storytel أيضًا فرصة الاستماع مجانًا لعددٍ غير محدود من الكتب لمدة أسبوعين، وهي فترة كافية لتتعرف خلالها على عالم الكتب الصوتية، وربما تستمتع في نفس الوقت بحل وسط بين الاسترخاء والإنتاجية، مثل أن تجلس في الحديقة أو على الشرفة تحت أشعة الشمس مغلق العينين، وأنت تستمتع إلى كتاب.
* نشر هذا المقال ورقيًا في مجلّة عالم الكتاب المصرية، العدد 45-46 يونيه/يوليه 2020.