نكتب.. ولا نعرفُ لماذا؟

هل تخيلت مرّة في صِغرك وجود شخص غير مرئي لأي أحد سواك فلعبت معه وتحدثت إليه؟ جميعنا في يوم ما عندما كنا أطفالًا صغارًا  أصابنا الخوف من كائنات غريبة غير موجودة، طالما كنا نتحدث للدّمى ونقوم بتقليد أبطال في حكاياتٍ ما، هذا الخيال الخصّب كان وسيلتنا في فهمِ العالم من حولنا، ثم يبدأ الخيال بالاختفاء بشكل تدريجي حينما يتشكل الوعي كمعلومات حقيقية، نتلقى العلوم المختلفة ونتعلم عن الحقائق، تصبح دائرة الخيال أضيق ويتسع الواقع أكثر فيحاول البعض الحفاظ على هذا الخيال والهرب من الواقع الذي يعيشون فيه إلى مساحتهم الخاصة، يقومون بإعادة صياغته بطريقة الكتابة أو الرسم أو الفنون أو أي نوع آخر، فتتطور أفكارهم وكتاباتهم ومواضيعهم التي تشكل عالمهم الصغير هذا.

الكتابة في مرحلة الطفولة 

أتذكرُ طفولتي حينما استهوتني بعض القصص والخيالات الموجودة في الكتب فبدأتُ أحاول تشكيل جمل من كلمات عديدة ثم كتابة مشاهد يومية، بعدها بدأتُ بكتابة الخواطرِ والقصص القصيرة، كنت أستمتعُ جدًا بكتابة مواضيع التعبير في منهاج اللغة العربية، على الرغم من انزعاجي أحيانًا من محدودية المواضيع الموجودة فيه. ولكنني حينما كبرت، سألت نفسي كثيرًا إن كان ما أكتُبه مجرد هرطقات أم هذه هي الكتابة حقًا، لكنني أدركتُ بأنني أحبّ الكتابة كفعلِ الكتابة نفسه، أحبُّ هذه المساحاتِ الفارغة لأجوبَ بها كل العوالمِ التي تسحرني بلا قوالب، ليس كلّ من يكتب هو كاتب لكنّه بالضرورة يملكُ حكاياتٍ كثيرة، شعور القلق والحبّ والوحدة والعزلة والخوف ومشاعر الإنسان المضطربة فينا هي ما تدفعنا للكتابة، نهرب إلى الحياة الأكثر سحرًا ودهشة وأمْنًا.

لماذا نكتب؟ 

إننا نسأل أنفسنا ونسأل الآخرين والكتّاب؟ لماذا؟

السؤال الذي لا يعرفه الجميع أو ربما يحاولون التهرب أو المراوغة من الإجابة عنه، هل هو حبّ الظهور والشهرة أم نريد الربح أم لأجلِ انتصار كلماتنا في كتاب مطبوع؟

لقد أجاب بعض الكتّاب على هذا السؤال.

قالت ميغ واليتزر: "أنت لا تستطيع السيطرة على الآخرين، على علاقاتك، أو على أطفالك، ولكن في الكتابة تستطيع أن تحصل على فترات متّصلة تكون فيها المسيطر تمامًا".

كما قال ريك مودي: "أظن أنني عندما أكتب -أو بشكل أدق- متى ما كتبتُ، سأكون إنسانًا أفضل وأكثر سلامًا".

وأيضًا قالت ميريدث ماران: "بأني أكتب الكتب لكي أجيب على أسئلتي".

بداية الكتابة والمسودّة الأولى

ربما لو تفقدنا أول مسودّة لنا أو أول نصّ لأدركنا مدى الركاكة فيه ولشعرنا بخيبة أمل كبيرة، ربما سنتوقف عن الكتابة وسنعتذر للعالم عن فكرة أننا سنصبح كتّابًا يومًا ما، سنُقلع عن الطعام ونتجنب الخروج من المنزل، سنشعر بفجوة كبيرةٍ ناحية هذا العالم الذي نريد أن نعيشه بأنه أصبح بلا معنى، هذا ما حدث مع جينيفر إيغان حينما قرأت مسودة روايتها الأولى، لكنها عادتْ مجددًا للعمل على كتابة الرواية، فانتهى كل الكدر والاضطراب الذي كانت تشعر به إلى خطة منطقية فاعلة في كيفيّة تطويرِ المخطوطة.

مثلًا جورج أورويل في صغره كان يخترع قصصًا ويحاور أشخاصًا في مخيلته، كما أنه كان يحاول الكتابة لينتقم من فشله في حياته اليومية، عرَفَ بأنّ عليه أن يكون كاتبًا حينما كتب قصيدتَه الأولى في عمر الخامسة أو السادسة، وعندما أصبح عمره بين السابعة عشرة والرابعة والعشرين حاول أن يتخلى عن الفكرة -ولحسن الحظ أنه لم يفعل!- لقد قرر بأنه عاجلًا أم آجلًا عليه أن يؤلف الكتب.

كما أن إيزابيل الليندي قالتْ حينما أصيبت بحبسة الكاتب بعد أن كتبت "باولا": لكنني لا أزالُ خائفةً من أن لا أكون قادرةً على الكتابة. الأمر أشبه بابتلاع الرمل. إنه مرّوع.

يقول ماريو بارغاس يوسا: ربما السّمة الأساسية هي الميل الأدبي، والميل هو نقطة الانطلاق التي لا بدّ منها، كما أنّه استعداد فطري ذو أصول غامضة، يدفع بعض الرجال والنساء إلى تكريس حياتهم للكتابة، ويرى يوسا أن التمرد هو منشأ هذا الاستعداد المبكر لاختلاق كائنات وحكايات، فيُعلنون بهذه الطريقة عن رفضهم وانتقادهم للحياة.

الكتابة فقط

سواء أكنّا نكتب قصّة أو قصيدة أو نكتب مذكرّاتنا اليومية أو لأننا نكتب ولا نعرف لماذا؟ أعتقد أنّه من الجميل أنني كلّما سألتُ نفسي هذا السؤال شرعتُ بالكتابة، ووجدت أن لا جواب له إلا الكتابة، الكتابة فقط.

المراجع

  1. كتاب "لماذا نكتب؟"تحرير ميريدث ماران.
  2. كتاب رسائل إلى روائي شاب: ماريو بارغاس يوسا.