الرفق بالحيوان.. دروس مؤثرة
ملّت ابنتي مني وأنا أكرر عليها قصة المرأة التي دخلت النار في هرّة حبستها حتى ماتت، أصبحت هذه القصة نادرة من نوادر المفلسين الذين ليس لديهم ما يروونه من قصص العناية بالحيوان، طوّرت الأمر لأحكي لابنتي حكاية أخرى هي حكاية الكلب العطش الذي أغاثه رجل سكب له من ماء البئر في حذائه، لم تُرض هذه القصة كذلك شغف ابنتي، حيث قالت لي: "أخبرتنا بها معلمة الصف!".
عتبي على هذه المعلمة التي لم تفسح للآباء شيئًا يروونه لبناتهم، فقررت أن أقلب الطاولة على رأس هذه المعلمة وأحرق عليها كل قصص الرفق بالحيوان، فكان المكسب هذا المقال الذي بين يديك. يحكى أن شابًا سعوديًا مصابًا بشلل نصفي قد يئس من حياته وشفائه، يفيق هذا الشاب على جلبة طير في شرفته، كان الفصل صيفًا والوقت ظهرًا والحرارة في أوجها، رأى هذا المشلول في صياح الطير استغاثة مؤلمة، فألهمه الله أن يضع له بعض الماء في إناء ثم انقدحت الفكرة أن ينثر في شرفته بعض الحبوب، فلما غفل ونام استيقظ على جلبة الطيور، حيث شاهد منظرًا بديعًا: مجموعة من الطيور تتبرد من ذلك الماء وتشرب وتتناول الطعام المنثور. هنا دمعت عين هذا الشاب وألهمه الله قراءة دعاء سيد الاستغفار، ثم طلب من الله الذي رحم هذا الطير أن يرحمه، وبالفعل أحسّ بطاقة عجيبة في أصابع قدميه ما برح أن تبخرَ عنه الشلل وشفاه الله على صنيعه بذلك الطير الضعيف.
بعضنا يستصغر الصغائر وهو أمر عند الله عظيم، قرأت في عجائب الكاتب المصري أحمد رجب أنه إذا شاهد خنفساء مقلوبة على ظهرها لا يمضي حتى يسويها ويفسح لها الطريق، وقد رحم حمارًا اشتراه من صاحبه حين كان الأخير يعذبه بالضرب. وحتى أرضي نهم ابنتي سقت لها هذه الحكاية: يروى أنّ شابًا مصابًا بداء الاكتئاب وهو مرض نفسي خطير، ذات مرة مرّ عليه كلب جائع فأطعمه من بقايا طعامه، فانشرح صدر هذا الشاب، وشعر بالكآبة تنزوي عن صدره، هنا تعاقد مع بائع اللحم أن يشتري منه الشحم والعظم الذي لا قيمة له، وبدأت رحلته في إطعام الكلاب فتبخر عنه الاكتئاب، وهكذا أخذت الكلاب تميّزه وتعرفه كلما أقبل نحوها.
إن إغاثة الملهوف لا تنحصر في بني البشر، أليس لكل ذات كبد رطب أجر؟ ألسنا نؤجر في إطعام البهائم؟ في الشهور الأخيرة بدأتُ ألمح ظواهر إيجابية وهي وضع وعاء ماء أمام النوافذ، وتفتيت بعض الأطعمة للطيور بجوار المنازل، وشاهدت بنفسي كيف تهوي الطيور والقطط لتأكل وتشرب، أما في هذا الأمر إحسان؟
لعل قصة واحدة نرويها لأطفالنا تغير طريقة حياة، وقصص العناية بالحيوان كثيرة، أحدهم شفى الله له والدته المريضة حين سقى صغار القطط الحليب وأطعمها سمك السردين، ولقد كان الحبيب المصطفى إذا أكل تمرًا يطعم البهائم النوى، وكان يرفق بالحيوان.
شاهدت أيام الطفولة ما يندى له الجبين من تعذيب الحيوان، فمشاكسة الأطفال لا حدّ لها، بعضهم يضرب الكلب ضربًا مبرحًا، وبعضهم يلوّح بالقطط من ذيولها ثم يضرب بها عرض الجدار، وبعضهم يعذب هذه الحيوانات وهي في أكياس قماشية وبعضهم يوقد النار في ذيل القطط، وتتنوع مظاهر العنف، فماذا سنصدر لأبنائنا؟ القسوة أم الرفق؟
الخلاصّة أنّ الرفق بالحيوانات مسؤوليتنا، وعلينا تغيير ذلك النمط السيئ بأنماط مشرقة تليق بالأسر المتحضرة، حاليًا بدأت بعض الأسر تحتضن حيوانًا أليفًا وتتكفل برعايته، قد يرهب الطفل تربية الحيوان أو الاقتراب منه ويخشى أن يعضه، لهذا ينصح باقتناء الحيوان الوليد توًا بداية ليتقبله ويجسر روح الألفة معه. اختيار الحيوان بعناية له دور في تحبيب الصغار فيه، فالأرنب له فرو ناعم يغري الطفل، والكناري له تغريد جميل يشد الآذان إليه، والقط يقفز بمرح، فعلينا اختيار الحيوان المناسب، ليروي كل طفل حكايته مع حيوانه المفضل.
في الختام نستطيع أن نجعل عالمنا أجمل، بالاهتمام بالجزئيات الصغيرة التي تدخل السرور كالعناية بالطيور والاهتمام بالحيوانات ومساعدتها على العيش في حال أفضل.